تبدو نتيجة الانتخابات الألمانية معروفة سلفاً، فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مرشحة يمين الوسط تتقدم استطلاعات الرأي بفارق مريح قبل أيام على واحدة من أكثر الانتخابات الألمانية إثارة للملل يمكن تذكرها. ولا عجب في ذلك، لأن ميركل تقود دولة لم تكن بذلك المستوى من الغنى أو القوة النسبية منذ عقود طويلة. ومعدلات البطالة منخفضة، مع وجود فائض في الميزانية، كما أن ألمانيا قائد منطقة اليورو بلا منازع. والأكثر أهمية، يبدو أن انتخاب الرئيس دونالد ترامب قد أقنع كثيراً من الألمان، وكذلك الأوروبيين الآخرين، أنهم بحاجة إلى قائد يمكن توقعه ملتزم بالقيم الغربية. ومع أخذ ذلك في الحسبان، اندفع كثير من السياسيين الألمان صوب الوسط. وأثناء مناظرة ميركل الوحيدة مع منافسها الأبرز من يسار الوسط «مارتن شولتز»، بدا أن المتنافسين متوافقان على النقاط الأساسية. ولكن في كل مناسبة، يتقارب مرشحو النخب بشكل كبير، يتركون فجوات تحتاج حتماً إلى من يملؤها من خارج النخب. وربما يكون الاقتصاد بخير، ولكن استطلاعاً للرأي أجراه «معهد الجمهوريين الدولي» في أغسطس الماضي، أظهر أن أكثر من نصف الألمان يعتقدون أن الإرهاب وسياسات اللجوء والتطرف أو الهجرة هي «أسوأ المشكلات» التي تواجه أوروبا. وفي الوقت الراهن، لا يركز سوى حزب سياسي واحد بصورة مستمرة على تلك المشكلات. ويوماً تلو الآخر، يؤكد حزب «البديل من أجل ألمانيا»، اليميني المتطرف أن ميركل نفسها مسؤولة عن أزمة اللاجئين، وأن سياسات ميركل أفضت إلى تفاقم في زيادة الهجمات الإرهابية، وأن التطرف زاد في ظل مستشارية ميركل. ويرفع الحزب شعار «ميركل يجب أن ترحل» وينشره في المنتديات عبر الإنترنت التي يرتادها مؤيدوه. ويحصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» على مساعدة من الخارج في نشر تلك الرسالة. ولكن على رغم أن القراصنة الروس اشتهروا بقرصنة مواد من البرلمان الألماني، لم تسع روسيا حتى الآن إلى التأثير بشكل كبير على الانتخابات الحالية، ربما بسبب عدم رغبتها في تعطيل المصالح التجارية طويلة الأمد والروابط السياسية في ألمانيا، أو ربما لأن محاولتها استغلال مواد مسربة في الانتخابات الفرنسية أخفقت بشكل كامل. وفي هذه المرة، يبدو التكتيك مختلفاً: إذ تقدم كل من وسائل الإعلام الروسية الرسمية وغير الرسمية مساندة مستمرة ومتكررة لحزب البديل من أجل ألمانيا ورسالته المعادية للمهاجرين. وتوصل مشروع لمراقبة الانتخابات، ساعد في إدارته بكلية «لندن سكول أوف إيكونوميكس»، إلى أن النسخة الألمانية من موقع «سبوتنيك» الإخباري، الناطق باسم «الكرملين» على الإنترنت، نشرت مقالات إيجابية بشكل كبير عن حزب «البديل من أجل ألمانيا» خلال الأشهر الأخيرة أكثر من أي حزب آخر. وتقدم وسائل الإعلام الروسية الحكومية، المشهورة بشكل كبير بين الجالية الناطقة بالروسية في ألمانيا، والتي يناهز عددها زهاء ثلاثة ملايين شخص، منصات لرموز «البديل» في برامجها الحوارية الشهيرة. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالروسية في ألمانيا تعجّ بأخبار الجرائم التي يرتكبها المهاجرون في أوروبا، مع حملات إعلانية لصالح «البديل من أجل ألمانيا». وفي دولة لا تزال أغلبية مواطنيها، بحسب استطلاع «المعهد الجمهوري الدولي»، تثق في وسائل إعلام تيار الوسط المحايدة سياسياً، لا يشكل ذلك الدعم الروسي لحزب «البديل» أهمية كبيرة كما لو كان في دولة أخرى. ومثلما أشرت من قبل، فهناك أيضاً عدد كبير من الألمان معجبون بسياسة ميركل تجاه الهجرة، وهرعوا للمساعدة في دمج اللاجئين. وعلى رغم ذلك، ربما يراهن حزب «البديل» وداعموه الروس على الأقلية الغاضبة والنشطة التي يمكنها، كما حدث في دول أخرى، أن تضع العراقيل، وخصوصاً في ضوء اضطرار ميركل على الأرجح إلى تشكيل حكومة ائتلافية. وتوزيع الأصوات بين أربعة أحزاب صغيرة، هي الليبراليون واليسار والخضر و«البديل من أجل ألمانيا»، ستكون له أهمية كبيرة، وفي ألمانيا ما بعد الحرب، سيكون حصول اليمين المتطرف على نسبة ولو ضئيلة بمثابة صدمة. ولكنها ربما تكون صدمة مفيدة، فمعظم الألمان من الناخبين والسياسيين ووسائل الإعلام على السواء، يتجاهلون أو يقللون من أهمية وجود أنشطة اليمين المتطرف في ألمانيا وداعميها الروس. ولكننا نعرف من تجارب دول أخرى، وعصور أخرى، أنه ما لم تتم مواجهتها، فإن الآراء اليمينية يمكن أن تتسلل إلى التيار السياسي السائد، وخصوصاً في أوقات الأزمات. وأيّاً كان من سيفوز بمنصب المستشارية في ألمانيا، فإن «أمامه» مهاما كثيرة، ويجب أن تكون في صدارة القائمة الوصول إلى هذه الشريحة المنسلخة من الناخبين. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»