خلال العام الماضي، وعشية انتخاب الرئيس دونالد ترامب، سجلت الأسواق المالية تحسناً كبيراً ربما يعود للاعتقاد الذي كان سائداً بأنه سيصدق وعده بإعادة العظمة لأميركا. وبعد ذلك بأقل من تسعة أشهر أصبح المراقبون والمحللون أكثر حكمة عندما لاحظوا أن الحملة التي أطلقها الرئيس ضد المهاجرين لم يتم تطبيقها، ولم تظهر أيضاً أي مؤشرات توحي بالبدء في تطبيق خطته لإعادة تأهيل وتطوير البنى التحتية، ولم يتوقع إلا القليلون نجاح خططه التي تتعلق بالإصلاح الضريبي وتعديل قانون الرعاية الصحية. وعلى الرغم من كل هذا الذي حصل، يبدو وكأن معجزة ما قد حدثت لتبقي على مؤشر «ستاندارد أند بورز» ذي الـ500 سهم مرتفعاً بنحو خُمس ما كان عليه يوم الانتخاب. فما الذي يحدث بالفعل؟ يقول الجواب القصير لهذا السؤال، إن قادة الدول الأجنبية قاموا بعمل ناجح إلى أبعد الحدود عندما جعلوا «بلادهم» عظيمة بالفعل. ومن الرئيس الصيني «تشي جينبينج» وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتضح أن السياسيين يطبقون على أرض الواقع السياسات التي يريدها أصحاب المشاريع والأعمال ويطربون لها. ونتيجة لذلك، يسجل الاقتصاد العالمي الآن نمواً أسرع من ذلك الذي سجله في أي وقت آخر مضى منذ أزمات ما بعد عام 2010. وارتفع اليوان الصيني واليورو الأوروبي بحدّة مقابل الدولار الأميركي. وأدى تواتر أنباء عن توقع تزايد صفقات الاستيراد والتصدير خلال الفترة المقبلة بشكل كبير إلى دعم أسعار الأسهم والسندات في أسواق المال الأميركية. واتضح أيضاً أن «الصينيين الشيوعيين»! والتكنوقراط الفرنسيين، قدموا لأرباب العمل الأميركيين الدعم الذي يفوق ما قدمه لهم ترامب ذاته. وحتى نوضح الفكرة بشكل أفضل، دعونا نتوقف عند أداء الاقتصاد الصيني خلال السنتين الأخيرتين. ففي عام 2015 وبداية 2016، عانت الصين اضطرابات مالية حادة. وبعد أن سجلت نمواً سنوياً في ناتجها المحلي الإجمالي بلغت قيمته المتوسطة 10 في المئة بين عامي 2006 و2014، كان اقتصادها يساهم في تنشيط الاقتصاد العالمي كله. وسرعان ما ظهر بعد ذلك أن الصين تمثل أكبر خطر على العالم بسبب ارتباط الاقتصاد العالمي بمستوى نمو اقتصادها. وواجهت مؤخراً العديد من المشاكل التي أدت إلى إحداث صدوع في نظامها المالي إلى الدرجة التي دفعت بعض الأثرياء الصينيين لنقل ثرواتهم وشراء عقارات في لوس أنجلوس ولندن. وانخفض رصيد الصين من العملات الصعبة بنحو تريليون دولار عندما أطلقت حملة لشراء اليوان لوضع حد لهروب رؤوس الأموال إلى الخارج. وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، تمكنت من استعادة هدوئها المالي، واستعاد اليوان قوته، وتنفست الشركات التي تتعامل مع الصين الصعداء من جديد. ولننظر أيضاً إلى الأخبار الواردة من أوروبا. فبعد انتخابات الربيع الماضي في فرنسا، قرر الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون إطلاق حملته لإصلاح الاقتصاد عن طريق إصدار المراسيم، وتمكن من إقناع اثنين من اتحادات العمال الرئيسة بالامتناع عن التظاهر ضد سياساته في الشوارع. وسجل مؤشر أسواق الأسهم في فرنسا ارتفاعاً بمعدل الخمس تقريباً (20 في المئة) خلال هذا العام. وفي هذا الوقت، سجل اقتصاد الدولتين القويتين في منطقة اليورو، ألمانيا وإيطاليا، أداء جيداً أيضاً. وكانت أنجيلا ميركل تعمل خلال الفترة السابقة باتجاه التمهيد لنجاحها للمرة الرابعة على التوالي في الانتخابات العامة التي ستنطلق يوم 24 سبتمبر الجاري. وحتى تساهم ميركل في تذليل الصعاب التي يُحتمل أن يواجهها ماكرون أثناء إطلاق حملة إصلاح قطاع العمل والاستخدام، فإن من المتوقع أن تستغل سلطتها المتجددة بعد فوزها المنتظر في الانتخابات للتراجع عن الحماس الذي تبديه ألمانيا لتبني ميزانية تقشّفية. وبالنسبة لإيطاليا، فقد خرجت أكثر قوة من جولات الإنقاذ المصرفي المتلاحقة، وسجل فيها تراجع كبير للأحزاب الشعبوية التي كانت تهدد بالانسحاب من منطقة اليورو. وأما الدولة ذات الاقتصاد الأوروبي الأكبر الذي يعاني الغرق، فهي تلك التي أطلق عليها الرئيس ترامب اسم «بريطانيا البريكسيت». وهناك، أثبت الشعبويون أنهم فاشلون سياسياً، ويمكن أن يصيبوا اقتصاد بلدهم بأضرار فادحة. وقد سجلت بريطانيا معدلاً للنمو السنوي خلال الربع الثاني من العام الجاري بلغ 1.2 في المئة، وهو الأكثر انخفاضاً من بين مجموعة الاقتصادات العالمية الكبرى. ولا يزال الجنيه الإسترليني يعاني الآن من الضعف حتى بالنسبة للدولار المترنح، وقفز مؤشر التضخم هناك إلى أعلى مستوياته. وربما يكون هذا هو الوقت المناسب لترامب لإعادة تقييم الأداء الاقتصادي العالمي والتساؤل بينه وبين نفسه: من هو الذي يعمل، ومن الذي لا يعمل بطريقة ناجحة؟ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»