تعد الصوفية من الفرق والطوائف التي انطلقت من أصول صحيحة، وإن تفشت فيها مسائل مثيرة للجدل بعد ذلك، والحديث عن مفهوم التصوف الإسلامي حديث ذو شجون، حيث إن الكثير من الممارسات الصوفية يؤيدها العلم الحديث اليوم ولها فوائد جمة من ناحية الصحة النفسية والعقلية والجسدية، وتحول الإنسان إلى شخص مسالم محب ومتصالح مع عالمه الداخلي ومع عالمه الخارجي، ونذكر هنا مسألة التأمل والذكر ومجاهدة الشهوات والخلوة مع الله، وغيرها من الممارسات التي أراها محمودة، ولكن ما أخذه على الفكر الصوفي هي الشطحات التي جاء بها المتأخرون من كبار المتصوفة كابن عربي والحلاج والجنيد وغيرهم من العارفين في القرون الأخيرة، وهو فكر تأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب وتعايش المسلمين مع الحضارات المختلفة، وقبل كل ذلك أصوله وجذوره التي تنسب للقرآن الكريم وسنة رسوله. وقد كانت الطبقة الأولى من المتصوفة في القرنين الثالث والرابع الهجري غالباً عليها الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج الصحابة الأوائل، ولكن فيما بعد تشكلت طبقات مختلفة من المتصوفة ومعتقدات كثيره ظهرت إلى الوجود في القرون التالية حوّلت دفة التصوف لفكر الجماعات والتنظيمات، وأن كانت روحية ومسالمة ولا تتدخل في شؤون السياسة، ولكنه قنبلة مؤقته لدى البعض، وقد تستغل أحد الشخصيات الصوفية الكاريزماتية والدخول في مرحلة التحور الأخير في الفكر الصوفي، وهو احتمال وخطر قائم، خاصة إذا استغل من إعداء الأمة الإسلامية.. ولنتعلم من التاريخ، ونتذكر أن غيرهم كانوا دعاة وليسوا قضاة، وقس على ذلك كل فكر يفرق ولا يجمع الأمة.. والبذور الفكرية للفرق والجماعات والفئة الناجية، متى ما كانت مغروسة، فليس لنا إلى أن ننتظر ساعة الحصاد. ويوجد بين المتصوفة بعض الغلاة بطبيعة الحال. وفيهم المعتدل وفيهم الذي يبالغ في تصوفه.. وقد تتشابه عقائد الصوفية وأفكارهم، وتتعدد بتعدد مدارسهم وطرقهم، ويعتقد المتصوفة في الله تعالى عقائد شتى، منها الحلول، ومنها وحدة الوجود حيث عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق، والغلاة منهم يعتقدون في الرسول، صلى الله عليه وسلم، أيضاً عقائد شتى، فمنهم من يزعم أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم، ومنهم من يعتقد أن الرسول محمداً، صلى الله عليه وسلم، هو قبة الكون، وأنه أول موجود وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه، ومنهم من لا يعتقد بذلك، بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته ويستشفعون ويتوسلون به، صلى الله عليه وسلم، إلى الله تعالى. وفي الأولياء يعتقد الصوفية عقائد شتى، فمنهم من يفضل الولي على النبي. ومنهم من ينظر إلى الولي، وفق تقسيمات للولاية، فهناك الغوث، والأقطاب، والأبدال والنجباء، حيث يجتمعون في ديوان لهم في غار حراء كل ليلة ينظرون في المقادير، ومنهم من لا يعتقد ذلك، ولكنهم أيضاً يأخذونهم وسائط بينهم وبين ربهم، سواءً كان في حياتهم أو بعد مماتهم. وفي الحقيقة هناك أمور كثيرة لا يتسع المقام لذكرها يمارسها بعض المتصوفة وليس الغالبية، بحيث يعد التصوف في نظرهم طريقة وحقيقة معاً. فمتى نرى مراجعة صوفية شاملة؟ ومتى سيتم التركيز على التصوف من حيث كونه ظاهرة سلوكية وعبادية، باعتباره تطهيراً للنفس الإنسانية وهو تأملٌ وتفكّرٌ في الوجود، أصيل في الإسلام، والقرآن الكريم قائم أساساً على الدعوة إلى الله تعالى وعبادته، وتطهير النفس الأمارة بالسوء، وبيان سبل الاستقامة والسلوك التي تضبطه ضوابط القرآن الكريم، ولا يعني وجود الانحرافات أن ساحة الفكر الإسلامي الصوفي خلت من التيار الصوفي المنضبط بضوابط الشرع، وإن كان التصوف يقوم على التجرِبة الذاتية، وما يسمى «بالكشف»، وهذا يشكل حاجزاً كبيراً من أن يكون المنهج الصوفي منهجاً مشتركاً بين الناس، ويمكن التحق منه كما أن القول بالإلهام كمصدر للمعرفة، أمر لربما فيه مخالفة لخاتمية الرسالة المحمدية التي اكتملت بوفاة النبي، صلى الله عليه وسلم ! وأما عن زيارة القبور فبعضنا من يزورها بالفكر أو بالجسد أو بالمذهب، وإنما الأعمال بالنيات.