شهدت الدورة العادية لمجلس وزراء الخارجية العرب يوم الثلاثاء الماضي مساجلات حادة حول الأزمة مع النظام القطري، وكنت قد ذكرت منذ الوهلة الأولى لتفجر الأزمة أنها لم تحدث بسبب التصريحات التي نُسبت لأمير قطر وإنما أساس الأزمة يكمن في السياسات القطرية ذاتها، وسرعان ما تأكدت سياسات النظام القطري بهرولة إيران لمساعدته بعد المقاطعة، وها نحن قد وصلنا إلى مرحلة «الدولة الشريفة» وهو تعبير طريف يجسد مأساة النظام القطري ومجافاته لاعتبارات الأمن الخليجي والعربي معاً. والسؤال طالما وصل الأمر إلى هذا الحد هو: هل يمكن أن يجيء اليوم الذي توصف فيه إسرائيل بأنها دولة «شريفة»؟ ذلك لأنه مع معرفتي بالفروق الجوهرية بين الدولتين إلا أنهما تتفقان في أن لكل منهما مشروعه للتوسع والهيمنة في الوطن العربي. وأعرف أيضاً أن الاستعمار الصهيوني لفلسطين ذو طبيعة إحلالية وأن المشروع الإيراني يركز على الهيمنة ولكن ما الذي يمنع انتقاله إلى المرحلة الإحلالية إذا سنحت الظروف لا قدر الله. وكما ذكر المندوب السعودي في الجامعة العربية أن وصف إيران بأنها شريفة أضحوكة، ولكنه ضحك كالبكاء، فكما شرح بعد ذلك فإن إيران «الشريفة» تتآمر على دول الخليج ولها شبكات جاسوسية في البحرين والكويت. وأزيد على ذلك التذكرة بأن إيران «الشريفة» هي التي تحتل الجزر الإماراتية وتهدد السلامة الإقليمية للبحرين ويتحدث مسؤولون فيها عن إمبراطورية تضم بالإضافة إلى طهران أربع عواصم عربية، وعن إنشاء قواعد بحرية على الشواطئ السورية واليمنية. تشير المساجلات السابقة إلى إمعان النظام القطري في سياساته التي تُخل بالأمنين الخليجي خاصة والعربي عامة، فليس صحيحاً أن الأزمة مع النظام القطري أزمة خليجية، بل هي أزمة عربية بامتياز، فالدول المقاطعة للنظام القطري تضم دولة كمصر عانت طويلاً من سياسات النظام القطري. وقد أوجز وزير خارجيتها في المساجلات التي جرت كيف أن مصر قد عانت من إرهاب بتمويل قطري وسقط نتيجة لهذا الإرهاب شهداء من أبنائها لن تضيع حقوقهم. كما أن النظام القطري مسؤول على نحو تثبته أدلة دامغة عن إذكاء نيران الإرهاب في ليبيا وتكريس الانقلاب على الشرعية في اليمن. ويؤكد هذا الإصرار على التمسك بهذه السياسات الخطيرة أن الأزمة وإن لم تكن مرشحة لمزيد من التصعيد إلا أنها باتت مهدَدَة بالتكلس، بمعنى أن النظام لا ينوي حتى الآن تغيير سياساته التخريبية. وبطبيعة الحال فإن الدول المقاطعة له لا يمكن أن تقبل هذه السياسات، وبالتالي لا يبقى سبيل للخروج من الأزمة سوى أن تحدث المقاطعة تأثيرها على النظام اقتصادياً وسياسياً ويؤمن الشعب والنخبة الحاكمة في قطر بأن التغيير هو الحل. ومن ناحية ثانية لاحظت مما قرأت أن أحداً من الدول غير الأطراف في الأزمة لم يتدخل في النقاش، فلم تذكر الصحف أن وفداً واحداً من غير هذه الأطراف قد شارك في المناقشات. ولهذا دلالته السلبية في تقديري، فمن المفهوم أن يكون بعض الدول غير قابل للزج بنفسه في أتون المناقشات حرصاً على عدم إغضاب أحد، وإن كان لهذا الموقف مغزاه السلبي، ولكن غير المفهوم لدي ألا يكون هناك وفد واحد قادر أو راغب في التدخل بأفكار للخروج من الأزمة. وأخشى أن يكون هذا انعكاساً لنوع من اللامبالاة بالخطر الراهن المرشح للتفاقم. وأخيراً فقد دفعني ما جرى إلى التفكير في مستقبل القمة الخليجية القادمة في ديسمبر القادم. فثمة احتمال لتكرار سيناريو مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية الماضي بمعني أن تحضر قطر القمة الخليجية، وتكرر نموذج سلوكها في المجلس السابق، ما سيؤدي إلى انشقاق خطير داخل المجلس الذي مثل طويلاً أفضل نماذج التكامل العربي على مستوى التجمعات العربية الفرعية. ولذلك يحتاج الأمر استعداداً كاملاً وتحسباً لكل الاحتمالات وتدبراً حكيماً لما ينبغي عمله. ورأيي في هذه الظروف أن غياب قطر عن القمة بإرادتها هو أفضل الاحتمالات من منظور تجنب مزيدٍ من الانشقاق في المجلس، ولو كان تعليق عضوية قطر فيه ممكناً لكان ذلك أفضل، ولكن قراراً كهذا تكتنفه صعوبات عديدة والمهم أن تُدرَس الاحتمالات كافة حتى نتجنب مزيداً من الأضرار بسبب سياسات النظام القطري حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.