تابعت مع ملايين المواطنين العرب افتتاح أعمال الدورة 148 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب ومن يمثلهم، وما شهدته من مناقشات حادة بين ممثلي دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية من جانب ومندوب نظام الحكم في قطر من جانب آخر. وبقدر ما شعرت بالراحة مما لمسته من تنسيق واتفاق كامل وتناغم في التصريحات بين ممثلي الدول العربية الأربع التي تدعو لمكافحة الإرهاب، فقد شعرت أيضاً بالصدمة والدهشة مما رأيته من جانب ممثل جمهورية جيبوتي التي ترأست أعمال الدورة الحالية ومندوب نظام الحكم القطري. فقد استطاع رئيس الجلسة، ربما من دون قصد، أن يساهم في إتاحة الفرصة لمندوب الدوحة لتقديم فقرة إعلامية شبيهة ببرامج الحوار المضللة التي تبثها قناة «الجزيرة»، الذراع الإعلامي لجماعة «الإخوان» الإرهابية. فقد اتفق وزراء الخارجية العرب، ومن يمثلهم على جدول الكلمات الافتتاحية، والتي لم يكن لنظام الحكم في قطر كلمة مدرجة فيه، ولكن فوجئ الجميع برئيس الجلسة وهو يسمح لمندوب الدوحة بالتعليق على كلمات الإمارات والسعودية والبحرين ومصر وهو ما يعتبر خرقاً لنظام الجامعة العربية. وقد جاء الخرق الثاني للأعراف الدبلوماسية من جانب مندوب الدوحة عندما استهل كلمته بقوله: «لن أدخل في عبارات التهنئة والسلام والشكر»، وشرع فوراً في الهجوم على الدول الأربع. وقد جاء ذلك مخالفاً لما قام به جميع ممثلي الدول العربية الذين وجهوا الشكر للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية على جهودها في رئاسة الدورة السابقة متمنين التوفيق والنجاح لجمهورية جيبوتي رئيس الدورة الحالية. ولقد أصاب وزير خارجية مصر عندما وصف عبارات مندوب الدوحة بأنها «متدنية ولا تليق بالأروقة الدبلوماسية». والمتابع لكلمات ممثلي الدول الأربع يجدها جاءت متوازنة ومنطقية وضمن الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، ولم تشهد خروجاً عن الآداب أو الأخلاق الحميدة، كما فعل مندوب نظام الحكم القطري. فقد تطرق ممثلو الدول الأربع لتمدد ظاهرة الإرهاب في العالم العربي، وقيام بعض الجهات بدعم التطرف والإرهاب بجانب استنكار احتلال إيران للجزر الثلاث التابعة للإمارات والتعرض للأوضاع في فلسطين المحتلة. ثم تعرض ممثلو الدول الأربع للأزمة الحالية، وبأن قطع علاقاتهم مع نظام الحكم في الدوحة جاء متسقاً مع توجهاتها لمحاربة الإرهاب ودعم أطرافه الذي تقوم به الدوحة، مشيرين إلى أن تلك الإجراءات ستستمر حتى تقوم قطر بتغيير سياستها ووقف التوجه الداعم للإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها. وأشار ممثلو الدول الأربع على أن السبيل الأوحد لحل الأزمة لن يأتي من خلال القيام بدور «المظلومية» الذي تؤديه الدوحة، وإنما من خلال الجلوس على طاولة الحوار بناء على المطالب ال13 والمبادئ ال6 التي أعلنتها الدول الأربع، ووافقت عليها قطر، كما أعلن ذلك سمو أمير دولة الكويت. وفي المقابل وجدنا مندوب نظام الحكم القطري يشيح بوجهه بعيداً عندما يتحدث ممثلو الدول الأربع، ولا ينظر إليهم، ويتحدث بنبرة متعالية، واصفاً وسائل الإعلام في الدول الأربع (بالكلاب المسعورة) ومتهماً تلك الدول بمحاولة انتزاع السيادة القطرية، ومدعياً بأنه لا توجد أي أدلة مقنعة تثبت تمويل قطر للإرهاب، وبأن الأزمة الحالية انعكاس لاختلاف في وجهات النظر في قضايا معينة، وقد أقسم بالله أن «إيران دولة شريفة» عكس الدول الأربع التي «تحاصر» بلاده. ولوهلة قصيرة توهمت أني أشاهد مندوب «دولة عظمى» يتحدث أمامي وليس «قطر»، ولكني سرعان ما تبين لي أني أرى أمامي مواطنا عاديا خضع لعملية «غسيل مخ» دقيقة وطويلة بجانب العديد من مواطني «قطر» والذين مهما حاولت إقناعهم بخطأ سياسة بلادهم، سيظلون يتعاملون معنا بمنطق «الغاز» وإرهاب «الإخوان المسلمين» وهنا تأكدت أن قطر التي كنا نعرفها قد ذهبت أدراج الرياح.