نحن بحق أمام أزمة مركبة. هذا ما ردده كاتب هذه السطور وتأتي الأيام والمواقف تباعاً لتؤكد على ذلك. ما هي ملامح هذه الأزمة المركبة وكيف تثبتها الأيام؟ نسير مع القارئ الكريم لتبيان ذلك. بالإضافة إلى الأزمة القطرية في حد ذاتها والمتمثلة في سياسة القيادة القطرية الهدامة تجاه محيطها الخليجي ودعمها للإرهاب الذي تتحجج القيادة القطرية في منظور تفسير الدول الأربع المقاطعة لتلك الجماعات واعتبار الدوحة تلك الجماعات خارج سياق الإرهاب والإضرار بأمن واستقرار دول الخليج، بالإضافة إلى ذلك يتجلى المنظور المركب لهذه الأزمة في ظهور أزمة في داخلها، أزمة يبدو بل الأكيد أنها مزمنة داخل أروقة القيادة القطرية ذات المنظور القاصر لأي بُعد استراتيجي في التعاطي مع مصالح الأمن الجماعي للخليج والعمق العربي لها. تجلت تلك النظرة القاصرة بداية في دعم بل في التأسيس لظهور ما يطلق عليه «ثورات الربيع العربي» ونتائجها التي لا تخفى على أحد، ودعمها لوصول تنظيم «الإخوان» الإرهابي إلى مفاصل الحكم في بعض الدول العربية. وتستمر تلك النظرة القاصرة لتصل إلى محاولة زعزعة استقرار دول الخليج وأنظمتها. نظرة قاصرة أخرى تمثلت في محاولة النيل من الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية بعيداً عن أي تصور لما ستؤول إليه الأمور في الخليج في حال نجاح ذلك التآمر. تآمر دفع بالقيادة القطرية لاعتبار «حزب الله» اللبناني بقيادة حسن نصر الله الذي ساهم في محاولة زعزعة الأمن في مملكة البحرين وبعث بعناصره إلى الكويت والبحرين واليمن لزعزعة الاستقرار، على أنه حزب مقاومة! من هنا لعلنا نمسك ببعض الخيوط لتلك النظرة القاصرة التي تمخض عنها ما قاله مندوب قطر في الجامعة العربية حين اعتبر «إيران دولة شريفة». ينظر القارئ إلى كاتب هذه السطور قائلاً: إذا كانت القيادة القطرية تنظر إلى «حزب الله» التابع للنظام الإيراني على أنه حزب مقاومة، فلا عجب أن يأتي أربابه على أنه نظام شريف! والحديث هنا، ولكي نضعه في سياقه المنضبط، فإننا في تحليلنا لعبارة مندوب قطر «إيران دولة شريفة» فإننا لا نشير هنا إلى الشعب الإيراني الذي نكن له كل تقدير واحترام، وليس إلى إيران بوصفها جاراً جغرافياً وجزءاً من هذه المنطقة، بل نشير إلى النظام الإيراني واعتباره «نظاماً شريفاً». الحكمة في واقع الأمر في نظرتنا لتلك العبارة لا تتركز في لفظ «دولة شريفة»، بل إن استخدام هذه العبارة يؤكد على المنظور القاصر للقيادة القطرية ومسؤوليها في السياسة الدولية وتفسير المواقف. يتساءل القارئ: كيف عرت عبارة «دولة شريفة» القيادة القطرية ومسؤوليها من المنظور الاستراتيجي؟ نقول هنا فإنه وبالإضافة إلى القيادة القطرية وزير الخارجية القطري الذي لم يفتأ ينسلخ من اللباقة واللياقة السياسية في مرات عدة في تعاطيه مع جهود أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، يأتي مندوب قطر بعبارته «إيران دولة شريفة» ليكون بعيداً كل البعد عن معادلات المصلحة واستغلال الفرص وتوظيفها، لينتقل لمواقف عاطفية ونظرة قاصرة تؤكد أن هذه الأزمة ستأخذنا إلى رحلة طويلة في ظل هذه القيادة ومنظورها. فقط أريد أن أذكر القارئ الكريم ومندوب قطر وأهلنا في قطر بما كان يقوله هذا النظام عن القيادة القطرية في السابق عل أهلنا في قطر يدركون كيف أن النظام الإيراني نظام شريف فلنستمع: «لا نتساهل في مواجهة دول كبرى مثل بريطانيا وأميركا فكيف إزاء دولة صغيرة وحقيرة مثل قطر». هذا ما قاله «علاء الدين بروجردي» رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني. من جديد يقول بروجردي: «قطر تحولت إلى عامل مثير للأزمات في المنطقة، وسياسة قطر لا تقتصر على الأزمة السورية إذ تتدخل في الأزمة الليبية وعدة مناطق أخرى». كيف إذن تحول النظام الإيراني الذي يُحقِّر من قطر لأن يكون نظاماً شريفاً؟ يفسر ذلك مندوب قطر في موقف النظام الإيراني الأخير من الأزمة القطرية باعتبار ذلك جزءاً من المواقف الإنسانية والمبادئ لدى النظام الإيراني. نظرة عاطفية قاصرة تدل على أزمة مركبة. البعض ممن يسير خلف القيادة في قطر وأبصارهم غاشية سيتعصبون لذلك ويؤكدون أن النظام الإيراني نظام شريف وقف إلى صفهم! هل كاتب هذه السطور أو القارئ الكريم سيدخل في جدال عقيم مع أصحاب الأبصار الغاشية؟ بالطبع لا، فقط نقول شتان بين وصف ذلك المشهد الذي يقوم به النظام الإيراني وتتلقفه القيادة في قطر على أنه شرف، وبين المصلحة ودورها في مرتكزات النظام الإيراني واستغلال الفرص. لا زالت الأبصار الغاشية منكرة لذلك، فلعل كاتب هذه السطور والقارئ الكريم متحيزان في رأيهما. حسناً لنستمع من جديد ونترك التعليق للمغشية أبصارهم: الرئيس التنفيذي للمطارات والملاحة الجوية في إيران (رحمت إله مه آبادي): «إيران فتحت أجواءها لخطوط الطيران القطري مجاناً ودون تحقيق أي إيرادات مالية»! تتشدق أسارير المغشية أبصارهم، ونسوا تكملة ذلك التصريح بالقول «ونأمل أن تحفظ قطر هذا الجميل في المستقبل»! القارئ يطالب كاتب السطور بتصريح آخر، تأتيه التلبية على الفور لعل المغشية أبصارهم إلى الحق يعودون. علي أکبر صالحي رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية ووزير الخارجية الإيراني الأسبق يقول: «إن العمل السياسي الواقعي يحتاج إلى توجه منطقي وعقلاني، لهذا السبب فإن ايران تساعد قطر رغم أن قطر كانت دائما في الطرف المقابل في موضوعات سوريا والاشتباكات الإقليمية الأخرى».