نظر بعض فلاسفة الغرب بتفاؤل نحو الصين، ووجد المفكر البريطاني الكبير «برتراند راسل» في خمسينيات القرن الماضي أن الصين ستكون أعظم من الاتحاد السوفييتي الدولة الاشتراكية المنافسة آنذاك للولايات المتحدة رغم ما كانت التجربة الصينية تعانيه يومذاك من ثورية هائجة وتطرف، وكتب الفيلسوف البريطاني يقول متنبئاً: «إن الصينيين حديثو العهد بمبدأ الشيوعية. والصين لديها إمكانيات واستعدادات تحولها إلى دولة أقوى من روسيا، بل رأينا الصين عام 2016 تتفوق في حجم بنوكها، بعد زوال الاتحاد السوفييتي، حتى على اليابان وبريطانيا والولايات المتحدة. وقد نشرت الصحف أن أكبر البنوك في العالم هو «البنك الصناعي والتجاري الصيني» بأصول قدرت في نهاية عام 2015 بنحو 3 تريليونات ونصف التريليون دولار، والبنك الثاني «بنك التعمير الصيني» و«البنك الزراعي الصيني» ثم «بنك أوف تشاينا» في المحل الخامس. [القبس 5-6-2016] شهدت السنوات الأخيرة نقاشاً مطولاً حول تسيّد الصين للعالم وهيمنتها على الاقتصاد وربما حتى السياسة. ويقول الصحافي أمير طاهري، إن الحديث عن الصين كقوة عالمية محتملة لا يُعد جديداً. «فخلال الجزء الأكبر من القرن التاسع عشر ساد الخوف من الصين، أو «الخطر الأصفر» كما كان يطلق عليها قبل أن تفضي ثورة التصحيح بهذا الاسم إلى طي النسيان. وبمجرد حصول الصين على الاستقلال في 1911، بدأت ترتسم صورة أكثر إيجابية، لكنها دُفنت تحت سيادة اللون الأحمر التي أعلنها ماوتسي تونج عام 1949. هل من المتوقع أن تكون الصين مثل أوروبا والولايات المتحدة في القريب العاجل، وهل ستختفي اللغة الإنجليزية مثلاً لصالح اللغة الصينية، وهل ستصبغ الحضارة الصينية ثقافة البشرية في السنوات القادمة؟ الكثيرون يرون في هذا أو حتى بعضه تحميلاً للصين لما هو ليس عليها بفرض عين! فالبلد ثرية جداً وثراؤها بالتريليونات، ودخان المصانع فيها وعوادم السيارات كارثة بيئية محلية ودولية، ولكن لا قيمها ولا عقلية الناس تتطابق مع المجتمعات الصناعية الغربية وربما غيرها. ويقول باحث إن الأميركيين والأوروبيين يفترضون بلا مبالاة أن الصين ستصبح أشبه بهم مع تطور اقتصادها وتزايد ثراء سكانها. وهذا في الواقع مجرد سراب. فنظام حكم الصين قائم على الجماعية ومركزية الدولة، لا الفردية والليبرالية الغربية. كما أن من الصعب عزل ثقافتها عن جذورها العريقة. فللصين حضارة عمرها 2000 عام، وهي باختصار، كما يؤكد الباحث الإنجليزي «مارتن جاك»، «لن تنضوي ببساطة تحت جناح القيم الغربية ومؤسسات الغرب، وستحتجب نيويورك خلف ظلال بكين» [الجريدة 17-1-2010]. ويشترط الكاتب «طاهري» نفسه ثلاثة شروط يجب على المرشحين لقيادة العالم أن يستوفوها. أول هذه الشروط ضمان حسن العلاقة مع دول جوارهم، «ويبدو أن موقف الصين في هذا الأمر ضعيف، فهي منخرطة في نزاعات طويلة على أراض مع روسيا واليابان وفيتنام والهند». والشرط الثاني لمثل هذه الدولة «السلام الداخلي»، بينما تعد الصين أقل أمناً بسبب إقليم التبت ومشكلة تركستان الشرقية والصراع المتوقع داخل نظامها بين متطلبات هيمنة الحزب الواحد وتعددية الاقتصاد الرأسمالي. ثالث الشروط في الدولة القائدة- يقول طاهري- أن يكون لديها سجل ثقافي مثير للانتباه! «فثالث أكبر اقتصاد في العالم غير قادر على إفراز كتّاب ومؤلفين وموسيقيين ورسامين وصناع سينما ومصممين يستطيعون جذب معجبين خارج الصين. كذلك لا تعد الصين في هذا الإطار، ضمن قوى الابتكار العلمي الرائدة في العالم، فقد سجلت أقل من 3% من براءات الاختراع في المجال العلمي والتكنولوجي عام 2009». الكاتب الكويتي صالح غزال العنزي نشر في صحيفة القبس مقالاً عن الصين تحت عنوان بالغ الجرأة «الصين نمر من ورق.. صنعه الغرب». وقد أشار إلى أن التجربة الصينية قد تسقط بسبب شدة اعتمادها على استيراد التكنولوجيا من الغرب وبخاصة الولايات المتحدة مما يضع الإنتاج الصيني تحت رحمة القرار الأميركي وبخاصة أن نفوذ الغرب لايزال قوياً في المنظمات التجارية الدولية. كما أن الصين لا تكترث حتى الآن بالقوانين البيئية. «وهي حالة يمكن استغلالها عبر تفعيل القوانين البيئية التي ترفع تكاليف المنتج الصيني». [21-1-2016]. وقد لا يوافقه الكثيرون في حكمه على التجربة الصينية، ولكن في مقال ملاحظة حول التجربة جديرة بالتأمل في تجارب «عالمثالثية» أخرى في مجال التصنيع المعزول عن روح المجتمع، يقول: «ما يصيب التقدم الاقتصادي الصيني أنه بلا روح شعبية وبلا امتداد ثقافي محلي يتنفس من رئة جماهيرية، أو يربط بين المنتج والمواطن الصيني روحياً.