الرئيس دونالد ترامب لا يُخفي رغبته في تفكيك إنجازات الرئيس أوباما سواء كانت إصلاحات داخلية مثل الرعاية الصحية أو خارجية مثل اتفاق تغير المناخ أو اتفاق إيران النووي. وتعطل كثير من جهود ترامب لتفكيك إرث أوباما، وثبت في غالب الأحوال أنها لا تحظى بشعبية وفقا لمجموعة من استطلاعات الرأي. لكن هناك أزمة دولية يستطيع ترامب استغلالها ليغير نهج سياسة أوباما الخارجية دون التعرض لإدانة كبيرة. إنها أزمة الروهينجا في ميانمار. فقد سعت الولايات المتحدة، في ظل إدارة أوباما، إلى تخفيف العقوبات التجارية على النظام الحاكم الذي كان منعزلاً ذات يوم لتضم ميانمار في برنامج مربح يسمح للدول النامية بتصدير بضائع معينة دون رسوم إلى الولايات المتحدة. وهذه الإجراءات كانت تبدو جزءاً من سير ميانمار نحو إقامة علاقات دولية طبيعية بعد عقود من الانقطاع. وأعلن أوباما العام الماضي أنه "من الصائب أن نؤكد أن شعب ميانمار يشهد ثمرات طريقة جديدة للعمل". ووصف ميانمار بأنها "قصة أنباء جيدة في عصر عادة ما نشهد فيه دولا تسير في الاتجاه الآخر". وكان في واجهة هذا الانتقال أونج سان سو تشي السجينة السياسية الشهيرة والحائزة على جائزة نوبل للسلام التي ظهرت على مسرح الأحداث بعد سنوات من الإقامة الجبرية في بداية العقد ثم فازت في نهاية المطاف بالانتخابات لتصل إلى البرلمان. وأصبحت مستشار دولة ميانمار في أبريل 2016 وهو منصب جديد جعلها أقوى زعيم مدني في البلاد. وبعد عام لم تعد ميانمار بالتأكيد "قصة أنباء جيدة"، فقد اندلعت أزمة لاجئين غير مسبوقة على امتداد حدود ميانمار مع بنجلاديش. وفر 370 ألف لاجئ من الروهينجا المسلمين من هجوم لجيش ميانمار في ولاية راخين بشمال البلاد. ويوم الثلاثاء الماضي، دفعت عدة تقارير عن انتشار القتل بغير محاكمة وأعمال وحشية أخرى تنفذها قوات الأمن، رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن يصف ما يحدث بأنه "مثال نموذجي للتطهير العرقي". وتصر حكومة ميانمار، وسو تشي محسوبة عليها، على أنها تنفذ "عمليات تصفية حسابات" ضد مسلحين إسلاميين. وتعتبر حكومة ميانمار الروهينجا الذين جردوا بالجملة من كامل حقوق المواطنة عام 1982 مهاجرين بنجاليين غير شرعيين وهو زعم لا تقبله معظم المنظمات الدولية. وتعرضت سو تشي لانتقادات واسعة النطاق من الخارج بسبب تجاهلها إلى حد كبير محنة الروهينجا وتوخيها الحذر الشديد حيال موقف الجيش من الاضطرابات في ولاية راخين. وكتب رئيس الوزراء الاسترالي السابق كيفين رود يقول "كثير من المعلقين نسوا فيما يبدو أن الجنرالات مازال لديهم السلطة المؤسسية للسيطرة على الحكومة –وهو انقلاب مشروع- إذا شعروا أن هناك حاجة لإعادة النظام. وبينما يقع قسط كبير من المسؤولية على عاتق الجيش في الموقف الحالي في ولاية راخين، نجد أن سو تشي هي الوحيدة التي تسعى إلى السير على حبل رفيع بين توفير طريق إيجابي للروهينجا في جانب وألا تقدم للجيش ذريعة للقضاء على الديمقراطية الناشئة في ميانمار في الجانب الآخر". وهناك نحو 700 ألف من مسلمي الروهينجا من ميانمار يعيشون في مخيمات مؤقتة في بنجلاديش من بينهم عشرات الآلاف انتقلوا إلى بنجلاديش في فترات تسبق كثيرا أعمال العنف الحالية. وهذا العدد من اللاجئين بحكم واقع الحال يعادل تقريبا عدد الروهينجا المتبقين في ميانمار. فما الضغط الذي يمكن ممارسته على جيش ميانمار؟ الواقع أن أوباما العام الماضي تخلى عن ورقة ضغط مهمة بتخفيفه العقوبات عن ميانمار والتهديد بإعادتها قد يكون خيارا مهما. لكن من الصعب تخيل قيام ترامب الذي تشغله عدة هموم وأزمات بدور فاعل بشكل خاص في القضية. ويعتقد د.يريك ميتشل سفير أميركا السابق إلى ميانمار بين عامي 2012 و2016 أن "جزءا من المشكلة يتمثل في الافتقار إلى ذاك الاهتمام الشديد الذي كان موجودا من قبل في البيت الأبيض". وبعد أيام من الصمت، أصدر البيت الأبيض بيانا يوم الاثنين الماضي دعا فيه "سلطات الأمن في ميانمار إلى احترام حكم القانون والتوقف عن العنف وعدم إخراج المدنيين من ديارهم". ومع استمرار تفاقم الأزمة، يتعين أن يكون هناك تصريحات أشد وأعمال أقوى. إيشآن ثارور: كاتب متخصص في الشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"