إنها قصة مجموعة عرقية تسعى لتقرير مصيرها في منطقة الشرق الأوسط. وسبق لقادتها أن أعلنوا رفضهم واستنكارهم لكل الممارسات الإرهابية، وتحارب ميليشياتهم الآن إلى جانب جنود وضباط الولايات المتحدة. وعندما لم تتورع الدول المجاورة لهم عن بناء ترساناتها من أسلحة الدمار الشامل، كانوا منشغلين ببناء برلمانهم وجامعاتهم وتطوير البنى التحتية الضرورية لقيام دولتهم المستقلة. وكانوا ينشدون الاستقلال ويتطلعون إليه عبر الطرق المشروعة التي يضمنها لهم دستور البلد الذي يعيشون فيه. أنا بالطبع أتحدث عن أكراد العراق. وهم الذين سيصوتون يوم 25 سبتمبر على استفتاء لإعلان دولتهم المستقلة. ويمكن للمرء أن يتصور بأن الولايات المتحدة سوف تنظر إلى الأكراد باعتبارهم القوم الأكثر جدارة بأن تكون لهم دولتهم المستقلة في منطقة لا يتم فيها تحقيق تقرير المصير السياسي للشعوب إلا عن طريق العنف. إلا أن إدارة ترامب عملت بدأب على ثني حكومة كردستان العراق عن فكرة منح شعبها فرصة التصويت على حقه في الاستقلال. ويتعلق الموقف الأميركي الرافض لإجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير بشكل أساسي بعامل التوقيت وفقاً لما يقوله مسؤولون أميركيون وأكراد. وذلك لأن التصويت على الانفصال عن العراق يمكن أن يضعف موقف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في وقت أثبت فيه أنه كان سياسياً مفيداً في الحفاظ على تماسك العراق وهو الذي قاد الحرب ضد "داعش". وهناك ما هو أكثر من هذا وذاك. لأن من شأن الاستفتاء الكردي أن يُقحم العراق في دوامة من الخلافات حول الحقوق السيادية على العديد من الأراضي والمناطق مثل جبل سنجار ومدينة كركوك الغنية بالنفط والتي يفترض فيها أن تختار بين البقاء جزءاً من العراق أو أن تصبح جزءاً من الدولة الكردية المستقلة. ولا شك أن الطلب من المواطنين التصويت على الاستقلال في مناطق تشهد خلافاً حول الأحقية في السيادة عليها يمكن أن يمثل وصفة جاهزة وناضجة لإثارة المشاكل والمتاعب وفقاً لما يراه دبلوماسيون أميركيون. وهم الذين طالبوا الأكراد بإعادة النظر في قرارهم المتعجل بإجراء الاستفتاء. وقال لي المحلل السياسي الخبير مايكل روبين أن الاستفتاء الكردي "سيتم إجراؤه بناء على دوافع خاطئة". وأضاف إلى ذلك قوله بأن القرار الذي تم اتخاذه بإجراء الاستفتاء في مناطق متنازع عليها مثل كركوك وغيرها "سوف يؤجج الصراع في المنطقة"، وسوف يشهد إقليم كردستان حرباً مفاجئة تنشب على حدوده. وبالرغم من الإعلان عن كل هذه المحاذير والاعتراضات إلا أن ذلك لم يثنِ الأكراد عن قرارهم بإجراء الاستفتاء في موعد حددوه بأنفسهم. ويُذكر في هذا الصدد أن الدستور العراقي وعد بإجراء مثل هذا الاستفتاء إلا أن القادة الأكراد هم الذين فضلوا تأجيله لبضع سنوات. وقال لي عزيز أحمد مستشار مسرور برزاني الذي يشغل بدوره منصب المستشار الأمني في حكومة إقليم كردستان العراق بأن كبار الوفود الكردية التي سافرت إلى واشنطن وبغداد طلبت من الولايات المتحدة بعض الضمانات مقابل إظهار بعض المرونة في المواقف. وأضاف: "قلنا لهم بأنه لو كانت لديهم اعتراضات على التوقيت، فليقدموا لنا ضمانة رسمية بأن يتم الاستفتاء في الموعد الذي يرونه مناسباً. ولكنه لم يفعلوا ذلك". وبدلاً من أن يتعامل الرئيس دونالد ترامب مع هذه القضية باعتبارها مشكلة تبحث عن حل، فلقد وجد في الاستفتاء الكردي فرصة. وهو يرى أننا هنا بصدد أقلية عرقية فعلت كل ما طلبناه منها للتمهيد لإقامة دولتها. ويمكنك أن تقارن ها الموقف بموقف الفلسطينيين الذين أهدروا مليارات الدولارات من المساعدات وسنوات طوال من اهتمام المجتمع الدولي ولكنهم ما زالوا يفتقرون للمؤسسات السياسية الكفؤة كالتي نجدها في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. وقال لي وزير الخارجية السابق لكل من العراق وإقليم كردستان العراق هوشيار زيباري: "نحن نسمع ما يتردد كل يوم من تصريحات حول حل الدولتين وحق تقرير المصير للفلسطينيين. وفي الوقت ذاته، نسمع المسؤولين الذين يقولون لنا بأنه ليس في استطاعتنا إجراء استفتاء حول رغبة الأكراد في أن يكون لهم وطنهم المستقل. إنها بحق ازدواجية في المعايير". ولا شك بأن هناك فوارق مهمة بين الحالتين الفلسطينية والكردية فيما يتعلق بمطلب الحصول على الاستقلال. وذلك لأن الأكراد ليسوا عرباً، ولم يحصلوا على أي دعم قوي من الدول العربية في المنطقة كالذي حظي به الفلسطينيون. *محلل أميركي متخصص في قضايا الأمن الوطني ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"