يعتبر رئيس المفوضية الأوروبية «جان كلود يونكر» رجل الحلول الوسط، وفي أحيان كثيرة يكون ذلك على حساب الرؤية التي يتبناها، ولكن في خطابه عن حالة الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء، وجه نداءً لا هوادة فيه من أجل اتحاد أوروبي فيدرالي أكثر صرامة، والذي يتنافى مع نوايا أقوى زعيمين وطنيين في الكتلة، وهما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اللذان ربما يشعران بالاستياء للتجرؤ عليهما بهذه الطريقة. في شهر مارس، أصدر «يونكر» وثيقة - «كتاب أبيض» - عن مستقبل الاتحاد الأوروبي، والتي كانت تتضمن خمسة سيناريوهات للكتلة، تتراوح بين التقاعس أو نقل السلطات على نطاق واسع إلى العواصم الوطنية، أو بذل «المزيد من الجهود معاً»، وبينما كان يعرض الوثيقة، أوضح «يونكر» أنه يعارض سيناريو نقل السلطة، بينما كان محايداً بشكل واضح لسائر السيناريوهات. وتؤيد ميركل، وهي شخص واقعي تماماً، فكرة أوروبا «متعددة السرعات»، حيث تبذل بعض الدول الأعضاء الرئيسية مزيداً من الجهد معاً، بينما تتحفظ دول أخرى. كما دعا ماكرون، في أول خطاب رئيسي له، كرئيس، عن السياسة الخارجية، إلى المضي قدماً «مع مجموعة رائدة من الأعضاء الراغبين» الذين سيتبعهم الآخرون في النهاية. ومن المفترض على نطاق واسع أن ماكرون – وهو ثاني القائدين الوطنيين اللذين كبحا جماح القوى القومية والشعبوية في أكبر قوتين اقتصاديتين في القارة – يمكنه الآن انتهاز الفرصة لتقدم الاتحاد الأوروبي، والتي أحدثتها عودة الاقتصاد الأوروبي إلى النمو وخروج المملكة المتحدة، فمن هو يونكر لكي يناقضهما؟ إنه حتى ليس مسؤولاً منتخباً حقيقياً: وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي صوت لصالحه، فيتعين ترشيحه من قبل القادة الوطنيين أولاً. و«يونكر»، الذي قال إنه لا يعتزم الترشح لولاية ثانية في عام 2019، كان على غير المتوقع لديه رد جيد على هذا السؤال في خطاب الأربعاء، فقد دعا إلى الجمع بين منصبي رؤساء الاتحاد الأوروبي – رئيس المفوضية الأوروبية، المسؤول عن الإدارة اليومية للكتلة، والمجلس الأوروبي، الذي يضم القادة الوطنيين – في منصب واحد، يتم شغله بعد إجراء انتخابات في جميع أنحاء أوروبا. وقال يونكر «لفهم تحديات عمله أو عملها وتنوع دولنا الأعضاء، يتعين على الرئيس القادم أن يلتقي المواطنين في قاعات المدينة في هيلسنكي وفي ساحات أثينا». ومن شأن هذه الخطوة أن تعالج مخاوف العديد من الأوروبيين بشأن الشرعية الديمقراطية للاتحاد الأوروبي. والبرلمان الأوروبي، الذي ينتخبونه بالفعل مباشرة، لديه سلطات غامضة لا يفهمها سوى عدد قليل من الناخبين، لذا فإن الانتخابات تعاني من تدني الإقبال والتصويت الاحتجاجي غير المقبول الذي لا يتكرر على المستوى الوطني، ويجب أن يكون انتخاب زعيم واحد للكتلة عرضاً أكثر وضوحاً، خاصة إذا كان رئيس الاتحاد الأوروبي يجلس على قمة بيروقراطية انسيابية مع صلاحيات واضحة. ومن أجل هذا الغرض، اقترح «يونكر» أن يتم إدخال منصب جديد لوزير الاقتصاد والمالية – وهو الاقتراح الذي أيده كل من ماكرون وميركل -- وأن يتم منحه لمسؤول كبير في المفوضية. في الواقع، وفي ظل هذه المقترحات، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون لديه ما يشبه الرئاسة الأميركية، التي يقابلها في القوة دول أكثر قوة من الولايات المتحدة. وفي إطار هذا النظام، لن يكون هناك مجال لـ«تعدد السرعات». لقد كان «يونكر» حريصاً على إقناع دول أوروبا الشرقية للاندماج بأسرع ما يمكن في منطقة «اليورو». وقال: يجب أن تصبح بلغاريا ورومانيا وكرواتيا في النهاية أعضاء كاملين في منطقة شينجين التي بلا حدود. ويجب أن تنضم الدول غير الأعضاء في منطقة «اليورو» إلى هذه المنطقة. ويتعين معاملة جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة: كان «يونكر» يخاطب على وجه التحديد قلق شرق أوروبا بشأن المكونات الرخيصة المستخدمة من قبل شركات الأغذية متعددة الجنسيات في هذه الدول للعلامات التجارية التي يبيعونها في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. كما وعد الدول غير الأعضاء في منطقة «اليورو» بـ«أداة للتقارب» – تساعد على الوفاء بمعايير العملة الموحدة. وقال إن أوروبا بحاجة إلى «التنفس برئتيها الغربية والشرقية، وإلا فإنها ستختنق». *كاتب روسي مقيم في ألمانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»