تواجه أميركا اليوم تهديدين خطيرين لأمنها القومي، يبدوان للوهلة الأولى مختلفين اختلافاً بيّناً، ولكنهما يشتركان في سمة واحدة جوهرية، وهي أن احتمال تحققهما منخفض، ولكنهما لو حدثا، فستكون لهما تداعيات مدمرة على البلد بأكمله، وعلى العالم أجمع. وأحد هذين التهديدين هو كوريا الشمالية، فلو كان زعيمها الطائش قادراً على إطلاق ترسانة من الصواريخ العابرة للقارات على البر الرئيسي للولايات المتحدة، فإن تأثير ذلك على أميركا، سيكون فادحاً للغاية. وعلى رغم أن احتمال حدوث هذا ضئيل، لأنه سيكون عملاً انتحارياً من جانب العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية، فإن الرئيس دونالد ترامب على استعداد لإنفاق مليارات الدولارات، على المنظومات المضادة للصواريخ، والبوارج الحربية، ومنظومات الدفاع السيبرانية، والقوة الجوية، والمناورات الحربية، من أجل نزع فتيل التهديد الكوري الشمالي، وردعه. أما التهديد الآخر الذي يتوقع أن يكون له تأثير كبير، والذي تبدو نسبة احتمال حدوثه مرتفعة مع ذلك، فهو تهديد التغير المناخي، الناجم عن تزايد معدل الانبعاثات الغازية الناتجة عن السلوك البشري. والحقيقة أننا إذا ما تتبعنا فحسب الزيادة المطردة في الحوادث المناخية المتطرفة والمكلفة -الحرائق الهائلة، والفيضانات، والجفاف، والهجرات البشرية ذات الصلة بالظروف المناخية- فإننا سنجد أن احتمالات، أن يكون للاحتباس الحراري العالمي، الناتج عن السلوك البشري، تأثير مدمر على كوكبنا، هي في الحقيقة احتمالات مرتفعة، وليست منخفضة. ولكن، دعونا نفترض، لوهلة -ولأن التغير المناخي عملية معقدة لا نفهمها بشكل كامل- أن هذا التغير مجرد حدث منخفض الاحتمال، مرتفع التأثير تماماً مثل الضربة النووية الكورية الشمالية، ونسأل أنفسنا سؤالاً هو: ما الذي يفعله فريق ترامب، عندما يواجه بهذا التهديد المتشابه؟ لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نسمع ما قاله «سكوت برويت» الذي عمل لفترات طويلة مروجاً لشركات النفط والغاز، والذي يتخفى الآن في منصب مدير وكالة حماية البيئة، حيث أدلى بتصريح يمكن اعتباره هو الأكثر في عدم ملاءمة من الناحية الثقافية، خلال عهد ترامب، عندما قال إن مجرد مناقشة الروابط الممكنة بين الاختلالات البيئية الناتجة عن التصرفات البشرية، وبين الأعاصير المدمرة الأخيرة يعد عملاً «يفتقر للحساسية» في الظروف الحالية. لاحظوا أن «برويت» قال ذلك بعد أن ضرب إعصاران من الفئة «4 أطلسي» بلدنا في نفس العام، وذلك للمرة الأولى منذ أن بدأ الاحتفاظ بسجلات لتوثيق هذه الأعاصير. وطبعاً فأمثال برويت يحبون أن يقولوا إن المناخ يتغير منذ زمن بعيد، وقبل أن يقود أي إنسان سيارة، فكيف يكون الإنسان هو المسؤول عن التغير المناخي؟ بالطبع الإنسان ليس هو المسؤول الوحيد عن التغير المناخي، لأن المناخ كان دوماً في حالة تغير من خلال تقلباته الطبيعية، وإن كان هذا لا يعني أيضاً أن البشر لا يستطيعون مفاقمة أو تعطيل هذه التقلبات الطبيعية من خلال تسخين الكوكب أكثر مما هو عليه، بشكل يجعل الحار أكثر حرارة، والرطب أكثر رطوبة، والعواصف أكثر عنفاً، والبارد أكثر برودة، والجاف أكثر جفافاً. وهذا هو السبب الذي يجعلني أفضل مصطلح «الغرائبية المناخية العالمية» على مصطلح «الاحتباس الحراري العالمي»، لأن الجو يزداد حرارة في بعض الأماكن، ولكنه يزداد أيضاً غرابة في أماكن أخرى. ولكي ندرك ذلك فما علينا سوى أن نلقي نظرة على الأشهر القليلة الماضية، فالأمر لم يقتصر على تعرض عدة مدن أميركية كبيرة لأعاصير هائلة، ولكن سان فرانسيسكو أيضاً سجلت معدل حرارة قياسياً -106 درجات في الأول من سبتمبر، وهو يوم وصل فيه متوسط الحرارة هناك إلى 70 درجة مئوية، كما اختنقت مناطق غرب الولايات المتحدة بأكملها، بحرائق هائلة لم يسبق لها مثيل، تفاقم أثرها بفعل الجفاف، كما تعرضت مناطق جنوب آسيا لرياح موسمية قاسية بصورة غير عادية أدت إلى مصرع 1400 شخص. ولكن ماذا يحدث لو استعددنا للتغير المناخي المدمر، ولم يحدث هذا التغير بالدرجة التي كنا نخشاها؟ حسناً، سيكون لدينا في مثل هذه الحالة هواء أنظف كي نتنفسه، وحالات ربو أطفال أقل، وسنحصل على مواد وتصميمات بناء أكثر ابتكاراً، وتوصلنا إلى طرق أنظف وأكثر كفاءة لتوليد الطاقة، ومنظومات نقل أفضل، وجميعها يمكن أن تتحول إلى صناعات تصديرية هائلة، وتخلق عشرات الآلاف من الوظائف الجيدة، كما سنكون أيضاً أقل اعتماداً على استيراد النفط من الخارج. لقد أقال ترامب مؤخراً العديد من مساعديه الذين كانوا يسببون له إحراجاً قصير الأمد. وفي رأيي أن الشخص الذي يحتاج لإقالته هو سكوت برويت تحديداً، لأن هذا الرجل سيسبب له إحراجاً طويل الأمد. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك، هو أن الاثنين يعكفان حالياً على تأليف عقيدة جديدة للأمن القومي، تقول إنه عندما نواجه تهديداً منخفض الاحتمال، مرتفع التأثير، مثل تهديد كوريا الشمالية، فإنه يجب علينا إنفاق أي كميات من الأموال مهما بلغت ضخامتها، وإذا لم يتبلور التهديد في النهاية، فستصبح لدينا أعداد زائدة في الجيش، ومعدات عسكرية خردة أكثر، ولكن عندما نواجه بتهديد مرتفع الاحتمال بالفعل، ومرتفع التأثير، مثل التغير المناخي، فإن أعيننا ستجحظ من محاجرها، حتى لو كان التأثير أقل حدة -ونستعد لهذا الاحتمال على كل حال- ثم نتوقع بعد ذلك أن نصبح أفضل صحة، وأقوى بدناً، وأكثر إنتاجية، وأكثر مرونة، وأكثر احتراماً في مختلف أنحاء العالم، فهل ستكون هذه هي عقيدة «برويت- ترامب» التي ستعرف عما قريب بـ«غلطة ترامب»؟ ----------------- * كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»