أصيب الطفل (زيمر) برصاصة طائشة في القسم الأيسر من الجمجمة، وكان في التاسعة من عمره، لم يمت ولكن تعطلت حواسه، فخسر السمع والنطق، فأصبح أصم أبكم. ظن الأهل أنها الكارثة وليس شيئاً آخر، لكن الطفل الذي كبر ظهرت عنده مقدرة خارقة في الميكانيكا، بل وذاكرة فائقة يحسده عليها خبراء الكمبيوتر. هذه الظاهرة تكررت أيضاً مع (أورلاندو سيريل) عام 1979م حين كان يلعب بالكرة فتلقى ضربة على صدغه الأيسر فوقع مغشياً عليه ليستيقظ لاحقاً، وقد بدأت مظاهر عجيبة عنده من حسابات رياضية تعجز عنها الآلات الحاسبة، بل ويمضي في معرفة التاريخ إلى آلاف السنوات بالتفصيل، وفوقها ذاكرة فوتوغرافية أفضل من كاميرات التصوير وألبومات حفظ الصور. هذه القدرات الخارقة كان من انتبه لها في عام الثورة الفرنسية 1789م ووثقها هو الدكتور (بنجامين راش)، فسجل ما عرف بظاهرة العارف (Savant)، عندما سأل (العارف) أن يعطي عمر إنسان مقدرة بالثواني، مع العلم أنه في عمر سبعين عاماً و17 يوماً و12 ساعة؟ أجاب من دون تردد وفي تسعين ثانية من التأمل أن عمر الرجل هو بالضبط في عشرة أرقام من الثواني (2.210.500.800). وممن عكف على دراسة الظاهرة مطولاً هو الدكتور (دونالد تريفيرت) وهو طبيب من وسكونسين، وأورد القصة المعروفة عن مخترع الشطرنج، حين أراد الملك مكافأته، فقال كم تطلب؟ قال حبة قمح توضع في المربع الأول ثم تضاعف مع كل مربع حتى المربع 64! فهرع خازن الحبوب إلى الملك وقال: إن كل صوامع حبوب المملكة لا تكفي هذا الخبيث! نفس الظاهرة الفائقة هذه تروى عن (كيم بيك)، الذي كان لا يحسن شد أربطة حذائه أنه كان مصاباً بمرض التوحد ولكنه حفظ غيباً 12000 كتاب وكان بإمكانه معرفة أي سطر وجملة وكلمة من المكتبة الدماغية وفي 8 ثوان. ولأعجوبة الظاهرة فقد تم تمثيل الواقعة فيلماً باسم رجل المطر (Rain Man). ومن الملفت للنظر أن الحالات الموثقة من هذه الظاهرة، لا تزيد عن مائة حالة في العالم الذي يضم حالياً أكثر من سبعة مليارات من البشر، وهناك ظاهرة موثقة لأربع حالات في أميركا عن قدرة تذكر فائقة مثل السيدة برايس وهي مديرة مدرسة في كاليفورنيا تذكر كل واقعة بذاكرة فوتوغرافية في أي وقت تمت، وكأنها تملك شاشة تلفزيون يمشي بها الماضي مع الحاضر جنباً إلى جنب. وبنفس الوقت فإن هذه الظاهرة هي لأناس أصيبوا في الجانب الأيسر من دماغهم بخبطة أو رصاصة أو سقوط بحيث يتعطل عندهم الدماغ الأيسر لينطلق الفص الأيمن من الدماغ بهذه الإبداعات، وكذلك لوحظ أن هؤلاء العارفين (Savants) ممن يتمتعون بهذه القدرات الفائقة نصفهم مصاب بمرض التوحد، وهنا يجب ذكر أن العديد من العباقرة في التاريخ كانوا من هذا النمط غير الاجتماعي أو المصاب بنوع من الشذوذ العقلي والسلوك غير السوي مثل آينشتاين، وبول ديراك صاحب نظرية اللايقين في الفيزياء، أو كالفن صاحب الصفر المطلق وإسحاق نيوتن الذي يروى عنه أنه في مجلس العموم لم ينطق في كل المشاركات عبر السنين إلا بنطقه جملة واحدة يطلب فيها إغلاق النافذة من البرد. وهكذا فهذه القدرات الفائقة هي في قوم لا ينطقون ومنه فقد عمد البعض إلى دراستها عند حالات تنطق مثل المصابين بداء إسبرغر فيمكن فهم الظاهرة على نحو أقرب وهو ما فعله ميشيو كاكو (صاحب نظرية الأوتار الفائقة) حين سأل (دانييل تاميت) عن مقدار P وهو مقدار حير علماء الرياضيات من أيام فيثاغورس (نصف القطر) فأعطى خمسة أرقام بعد الفاصلة هي بالعادة 3.14 (فجعلها 22514) رقماً بعد الفاصلة. حاول البعض من خلال موجات المغناطيس محاولة إسكات الدماغ الأيسر في محاولة إثارة هذه المقدرة ما دامت في الدماغ الأيمن في كل واحد منا كما فعل الدكتور آلان سيندر من جامعة سيدني على متطوعين ولكن التجارب لم توصل إلى هذه القدرات المدفونة في أدمغة قوم (متوحدين) يعيشون حالة عزلة اجتماعية غير مفهومة.