ذكر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي «مايكل أنتون» أن البيت الأبيض يرمي إلى إصدار استراتيجيته للأمن القومي في وقت ما من هذا الخريف، ولكن المسؤولين «لم يذكروا بعد موعداً محدداً». ويختلف هدف استراتيجية الأمن القومي من إدارة إلى أخرى. ولعل القليل من الناس يتذكرون آخر استراتيجية أمن قومي. ومع ذلك، فإن وثيقة مهمة مثل استراتيجية الأمن القومي تكون عادة بمثابة منارة مهمة لبيروقراطيي الأمن القومي. ويمكن أن توجههم في صياغة أية ردود وخيارات سياسية. وهذا أمر مهم. وعلاوة على ذلك، ونظراً لخطاب الرئيس ترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يمكن لاستراتيجية أمن قومي جديدة أن تكون في ذات أهمية استراتيجية الأمن القومي لعام 2002. وليس بالضرورة أن تعني كلمة «أهمية» أنها «جيدة». وبعد أن رأيت السياسة الخارجية على مدى الأشهر السبعة الماضية، لا أحسد المسؤول المكلف بصياغة استراتيجية ترامب للأمن القومي. وهناك ثلاث طرق فقط يمكن بها صياغة هذه الاستراتيجية: إما كاستراتيجية تقليدية، أو كاستراتيجية ترامبية، أو كاستراتيجية صادقة. والثلاث قد تخيب الآمال. ووفقا لاستراتيجية أمن قومي تقليدية، فعلى رغم كل الخطابات السطحية والانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ ومن اتفاق باريس للتغير المناخي، فقد خرجت استراتيجية ترامب الكبرى قليلاً عن الوضع الدولي الراهن. وبعد الكثير من الحراك، يبدو فريقه للسياسة الخارجية عادياً للغاية. وبعد الكثير أيضاً من التردد، صادق الرئيس مجدداً على المادة الخامسة من معاهدة «الناتو». ولم تنسحب الولايات المتحدة من أي معاهدات تجارية تم التصديق عليها. وفي الوقت نفسه، أشك في أن مجتمع السياسة الخارجية سيدعم الاستراتيجية التقليدية، حيث إن خطاب ترامب وتصرفاته القوية يتناقضان مع النهج السائد. ومع مرور الوقت، أصبح توجه ترامب أكثر قابلية للتنبؤ وأقل مصداقية وأقل قوة. ولن يزعم المحللون الممثلون للتيار الرئيس أن سجل ترامب في السياسة الخارجية المشكوك فيه هو نتاج لأفكارهم. وهذا النوع من استراتيجية الأمن القومي من الممكن أن يؤدي إلى مفارقة الجمهور المؤيد لمبدأ «أميركا أولًا » دون أي فائدة مقابلة في مكان آخر. والنهج الثاني هو أن تكون استراتيجية الأمن القومي بمثابة التعبير الكامل عن مبدأ «أميركا أولًا »، وهو النهج الترامبي. والمشكلة الوحيدة في هذا هي أنه في كل مرة يقترب ترامب تماماً من السياسة الخارجية ذات المسحة الترامبية الأولى، تكون النتيجة هي الفشل. وهنا فكروا في الخلافات الأخيرة التي دارت حول انسحاب إدارة ترامب أو قيامها بإعادة النظر في اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والمعروف بـ«كوروس». فهذا مثال كلاسيكي لتوجه ترامب الذي يفكر في أنه يمكنه إعادة التفاوض في الشروط الحالية للنظام الليبرالي الدولي من خلال مساومة أفضل. ويوضح الكاتب «شون دونان» في صحيفة «فاينانشيال تايمز» صراحة لماذا لم يحقق هذا النهج تقدماً: «إن من أكبر الوعود الاقتصادية التي قطعها الرئيس أثناء حملته هو تبني نهج جديد للتجارة ينطوي على فرض رسوم جمركية على الصين والمنافسين الآخرين، وتمزيق الاتفاقات التجارية الأميركية بالجملة. ولكن الأمور من الممكن أن تتغير. وبعد مرور تسعة أشهر في السلطة، من الإنصاف أن نقول إن ترامب يبدو على نحو متزايد مثل المصارع لكن من دون ملعب ليمارس قوته». وخلال اجتماع خاص عقد لمناقشة مخاوف ترامب بشأن اتفاق «كوروس» والعجز التجاري الأميركي مع كوريا الجنوبية، أصدر الممثل التجاري الأميركي «روبرت ليثايزر» قائمة من التنازلات أحادية الجانب يريد من سيؤول أن تقدمها، وتتضمن تسريع جدول «كوروس» لقيام كوريا الجنوبية بإلغاء بعض الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الأميركية، وتجميد نفس الرسوم المفروضة على الواردات الكورية إلى الولايات المتحدة. ويمكن للإدارة أن تزعم أن استراتيجية أمن قومي تجارية «مركانتيلية» ستجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، ولكن ليس هناك دليل لتعزيز صحة هذا الادعاء. وقد يضحك مجتمع الأمن القومي كثيراً على هذا النهج. وأخيراً، فإن إدارة ترامب من الممكن أن تكون صادقة وتعترف بأنه لا توجد استراتيجية أمن وطني متماسكة. إن فريق السياسة الخارجية منقسم بشأن العديد من القضايا. والرئيس لا يبالي كثيراً بهذه القضايا. وقد لا يكون البيت الأبيض راضياً عن الوضع الراهن. وقد تكون لديه كذلك بعض الاعتراضات المبررة وراء هذا الاستياء. ولكن مسؤولي الإدارة ليست لديهم أية أفكار حول ما يجب القيام به بدلاً من ذلك. والنتيجة هي عبارة عن نسخة طبق الأصل من السياسة الخارجية السائدة، التي تديرها مجموعة غير منظمة من المسؤولين يحاولون إرضاء القائد العام. دانيال دبليو دريزنر: أستاذ السياسة الدولية بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»