صدر كتاب جديد للمؤرخ الأميركي «جاك ويذرفورد» عنوانه: «جنكيز خان وسعيه إلى الله: كيف أعطانا الفاتح الأكبر الحرية الدينية». يقدم المؤرخ دراسة معاكسة للصورة النمطية المعروفة في الثقافات العامة عن جنكيز خان وعن حملاته التوسعية. ويقول إنه في القرن الثامن عشر كان مؤرخ فرنسي يدعى «بيتيس دي كروا» قد وضع كتاباً عنوانه «جنكيز خان العظيم». وإن هذا الكتاب الذي وصل إلى أميركا، كان موضع اهتمام شديد من كل من بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون (وكلاهما أصبح فيما بعد رئيساً للولايات المتحدة). أما سبب الاهتمام فهو ما جاء في الكتاب من «أن قوانين المغول كانت تحرم الإساءة إلى الاعتقاد الديني لأي شخص»، وعندما قرأ جيفرسون هذا النص في الكتاب، اتخذه أساساً لدعوته إلى الحرية الدينية، والتأكيد عليها في المادة الأولى من الدستور الأميركي. وتقول هذه المادة: «لا يجوز أن يعاني أي إنسان بسبب إيمانه أو رأيه الديني». ويؤكد المؤرخ «ويذرفورد» في كتابه الجديد أن جنكيز خان الذي لم يكن هو نفسه يؤمن بأي دين، أعطى الحرية للمؤمنين بمختلف الأديان والعقائد في إمبراطوريته التي امتدت من منغوليا شرقاً حتى فيتنام وبورما والصين، وغرباً حتى هنغاريا وبولندا. ووصل عبر إيران إلى الشرق العربي أيضاً، وضمت تلك الإمبراطورية الواسعة مسلمين ومسيحيين ويهوداً، كما ضمت كذلك بوذيين وهندوساً وكنفوشيوسيين وطاويين وحتى «طبيعيين»، أي من الذين يؤمنون بالطبيعة. وبحسب هذا المؤرخ فإن جنكيز خان كان يحرص على احترام عقائد كل هذه الجماعات الدينية، وعلى تحقيق المساواة بينها في ظل حكومة واحدة. ويشير في دراسته أيضاً إلى أن جنكيز خان «فصل بين الدين والدولة»، وأن فلسفة هذا الفصل وصلت إلى أميركا من خلال كتاب المؤرخ الفرنسي «دي لاكروا»، وأنها وصلت تحديداً إلى جيفرسون فاعتمدها أساساً قامت عليه الولايات المتحدة بعد استقلالها عن بريطانيا.. وتم تكريسها في الدستور. أما الآن وفي عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب فإن المبادئ التي تقوم عليها سياسته، كما أعلن هو نفسه مرات عديدة، تتمثل في إقامة جدران على الحدود، وفي وقف الهجرة. لقد تعلم الأميركيون الأوائل من ثقافة متسامحة وصلت إليهم من آسيا. وأقاموا دولتهم الجديدة على أساس تلك الثقافة وقيمها، وفتحوا أبوابها للمهاجرين من كل أنحاء العالم، وخاصة من أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية. وقام المجتمع الأميركي الجديد على أساس التعدد الديني والعنصري والثقافي في ظل سلطة واحدة، تماماً كما فعل جنكيز خان في إمبراطوريته. غير أن للرئيس ترامب اليوم توجهات أخرى فاز بالانتخابات الرئاسية على أساسها، وهو يسعى للحكم بناءً عليها أيضاً.. ولإقامة علاقات مع العالم على أساسها كذلك، فبين فلسفة جنكيز خان الذي انطلق في فتوحاته في عام 1206.. وفلسفة ترامب الذي يتولى رئاسة أقوى دولة في العصر الحديث في عام 2017، أكثر من 1810 سنوات رجوعاً مع الزمن إلى الوراء!