خلال الساعات الأولى من الثامن والعشرين من يوليو الماضي، شرع مجلس الشيوخ الأميركي في التصويت على مشروع قانون كان سيلغي فعلياً «قانون الرعاية المتاحة»، المعروف أيضاً بـ«أوباماكير»، الذي اعتُمد في 2010 بدعم كبير جداً من قبل الديمقراطيين مقابل معارضة قوية من قبل الجمهوريين. وعلى مدى سبع سنوات، كان الجمهوريون يصوّتون من أجل إلغاء هذا القانون، واليوم، وبعد أن بسطوا سيطرتهم على كلا مجلسي الكونجرس، اعتقدوا أن وقت النصر قد أزف. ولكن جهودهم سرعان ما اصطدمت بعدة عراقيل، حيث أعلن عضوان جمهوريان في مجلس الشيوخ، هما سوزان كولينز من ولاية ماين وليزا موركوفسكي من ولاية ألاسكا، أنهما لن تصوّتا لصالح الإلغاء. ليصبح التصويت بعد ذلك معلّقاً على قرار جون ماكين عن ولاية أريزونا الذي سافر إلى العاصمة واشنطن، وسط حصص العلاج الكيماوي التي كان يتلقاها بسبب إصابته بسرطان الدماغ. وفي لحظة دراماتيكية على أرضية مجلس الشيوخ، صوّت ماكين بـ«لا»، لتفشل بذلك سبع سنوات من الجهود الجمهورية لإلغاء القانون. وكان ذلك إذلالا للزعامة الجمهورية وإدارة ترامب. ومنذ تلك اللحظة، بدأ الرئيس ترامب حملة علنية لمهاجمة زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. العداء الصريح بين ترامب والكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون ازداد خلال شهر أغسطس، وبلغ أوجه خلال اجتماع بالبيت الأبيض في السادس من سبتمبر مع الزعماء الجمهوريين والديمقراطيين لمناقشة إمكانية رفع سقف الدين الوطني حتى ديسمبر المقبل وتمرير منحٍ سخية لضحايا إعصار هارفي في تكساس. فخلال ذاك الاجتماع، انحاز ترامب كلياً إلى المقترحات التي قدّمها زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر ونظيرته في مجلس النواب نانسي بيلوسي، وذلك ضد الرغبات الواضحة للزعامة الجمهورية. ثم أصيب الجمهوريون بالصدمة عندما اتضح أن ترامب سيفعل أي شيء يعتقد أن من شأنه أن يساعده على ترميم صورته العامة الباهتة، حتى وإن كان ذلك يعني الذهاب ضد سياسة الحزب الجمهوري وفلسفته. ويوم الأحد العاشر من سبتمبر، أجرى كبيرُ مستشاري البيت الأبيض السابق و«مستودع أسرار» ترامب، ستيف بانون، مقابلةً صحفية طويلة مع برنامج «سكستي منيتس» («ستون دقيقة») الذي تبثه قناة «سي بي إس» الأميركية، وفيه انتقد بشدة مؤسسةَ الحزب الجمهوري، وقال إن الخطأ الذي ارتكبه فريق ترامب الجديد هو احتضان المؤسسة اعتقاداً منه بأن تلك هي الطريقة الوحيدة لتطبيق أجندته الجذرية التي تشمل «تجفيف المستنقع» في واشنطن. وفي رأي بانون، فإن مؤسسة واشنطن طوّرت على مدى السنوات نموذجاً تجارياً مربحاً جداً يستفيد من خلاله كل شخص في النظام السياسي من مليارات الدولارات التي تنفق كل سنة من أجل دعم أو معارضة التشريعات في الكونجرس. فعندما يحال أعضاء الكونجرس على التقاعد أو يُهزمون في الانتخابات، يشتغلون في تلك «اللوبيات» أو «الجماعات الضاغطة» ويكسبون أموالاً أكثر من تلك التي كانوا يكسبونها في وظائفهم السابقة. ويعتقد بانون أن ترامب لم يستطع كسب دعم الكونجرس؛ لأن الكثير من الجمهوريين لا يشاطرونه أفكاره ولديهم مصالح كثيرة في الوضع الراهن، أي ما يسميه «المستنقع»، حتى يناضلوا ويدافعوا عن الإصلاحات الجذرية التي يريدها. كما يعتقد أن مؤسسة الحزب الجمهوري لا تدعم أجندة ترامب القومية الشعبوية التي كانت ستكون أكثر شدةً في مواجهة الصين بخصوص السياسة التجارية، وكانت ستتحاشى مزيداً من التدخلات في حروب الشرق الأوسط وإثقال كاهل البلاد بمزيد من النفقات الإضافية على الدفاع. ولعل الأكثر إثارة للذهول هو اعتقاد بانون أن إقالة ترامب لمدير «مكتب التحقيقات الفدرلية» (إف بي آي) جيمس كومي، في مايو الماضي، ربما كان «أفدح خطأ سياسي في التاريخ الحديث»، وذلك على اعتبار أنه لو لم يتم إعفاء كومي من منصبه، لما كان ثمة تحقيق من قبل المستشار الخاص روبرت مويلر في أنشطة ترامب للتأكد من وجود أو عدم وجود تواطؤ مع روسيا على خلفية انتخابات عام 2016 الرئاسية، وفي إمبراطورية ترامب المالية، وعلاقتها بالبنوك الروسية والمستثمرين الروس. والواقع أنه لا أحد لديه فكرة عن الكيفية التي سيحكم بها ترامب البلاد خلال الأشهر المقبلة، ولكن باستطاعة المرء الجزم بشأن موضوع واحد: أنه إذا لم يستطع ترامب العمل والتعاون مع الكونجرس من أجل تمرير التشريعات التي التزم بها في حملته لانتخابات 2016، مثل الإصلاح الضريبي والاستثمار في البنى التحتية وبناء جدار على الحدود مع المكسيك.. فإنه لن يكون لديه الكثير ليتباهى به أمام الأميركيين عندما تدخل البلاد عام 2018 وتجري انتخابات الكونجرس النصفية.