بدهية قفزت عليها وسائل الإعلام القطري في أزمتها مع الشقيق والجار ومن معه في وحدة المصير، ألا وهي تجاوز أن الإعلام ما سمي إعلاماً، إلا أنه يخبر عن أمر وقع فعلاً ثم عُلمَ صدقه. أما غير ذلك مما تبثه «القطريات» عبر تجييش المرتزقة الإلكترونيين و«الجزيرة» التي تركت كل الجهات الأربع لتركز على قطر المأزومة في هذه الفترة الحرجة من حياتها السياسية، وهي التي طالما عاثت وداست أبسط مبادئ نشر الرأي إلا على هواها. ما نقوله هو زبدة حديث أمير الكويت في لقائه مع ترامب في واشنطن الذي أكد على أن الكويت كانت ولا زالت أكبر الدول المتضررة من إعلام قطر، ومع ذلك يرى هذا الوسيط الذي يتقطر نزاهة وحكمة ووعياً واتزاناً في الطرح، وهو في الحقيقة حكيم الخليج حالياً بلا منازع، نظراً لخبرته الطويلة في الحياة السياسية منذ نشأة الكويت إيقونة الديمقراطية في الخليج وفي العالم العربي أيضاً، فلا خلاف على ذلك حتى عند تعرضها لنيران التطرف والإرهاب، ومع هذا لم يفتّ كل ذلك في عضد ديمقراطيتها الأصيلة، وهو السر في جراءة الإعلام القطري وشدة ممارسة فعل الإيذاء لهذه الدولة التي تسعى حثيثة لإخراج قطر من ظلم نفسها لنفسها ومن ظلم التبجح والتهكم من الأنظمة الأخرى من حولها، بل من أبعد من المحيطات السياسية من بعدها. وتأكيداً لذلك التبجح الديمقراطي الذي تقبل النقد الهدام لإعلام قطر للكويت منذ أكثر من عقد استغلالها لرحابة الديمقراطية لديها وسعة صدر حكامها. لقد تشرفت يوماً بلقاء الأمير جابر، رحمه الله، في زيارة رسمية، وقد سئل مباشرة في مجلسه الذي كان الحديث الدائر فيه عن السر في عدم إصدار سموه مرسوماً أميرياً لإلزام طلبة المدارس والجامعات بالتقيد بالزي الوطني، حيث أجاب بكل قوة هذا شأن الشعب وليس من شأني ولو فعلت ذلك لكان عملي اليومي فقط في إصدار مراسيم أميرية لإلزام الشعب الكويتي بكذا وكذا، وهذا ليس دأب الحياة الدستورية في الكويت التي نصت على أن الديمقراطية هي العمود الفقري للحياة السياسية في الدولة والحكومة والبرلمان وكذلك في ديوانيات الناس العاديين. وهي حياة راقية تصطدم بحياة النظام السياسي في قطر الذي تهاجم وسائله الإعلامية المنفلتة من كل قيد أو شرط للمساس بالديمقراطية الكويتية، فضلاً عن الدول الخليجية التي تتميز بأنظمة محافظة على كل ما يرتقي بالإنسان بغض النظر عن اسمها أو رسمها، وبالطبع لم تسلم الأنظمة العربية الأخرى من لسعات الإعلام القطري باسم الحرية والشفافية وعلو السقف الذي انهار اليوم على النظام القطري ذاته، دون أن تتأثر البقية بذرة من بثه. وموسم الحج المنصرم خير شاهد على هذا الطرح المؤذي لأقدس شعائر الدين الإسلامي على الإطلاق، فلم يكن لأبواق الإعلام القطري غير التغني بالتسييس إلى أقصى مدى. وقد استقبلت إحدى حلقات «التسييس» ضيفاً له رأي آخر في كل ما ذكر في هذا المجال، وقد أجدى هذا الضيف لأنه لم يترك لمقدم البرنامج فرصة للرد، حيث لخص حديثه في أن المملكة العربية السعودية منذ نشأتها وحتى ساعة أزمة قطر مع نفسها لم تقصر يوماً في تقديم كافة خدمات الحج لقرابة ثلاثة ملايين حاج في وقت قصير ومكان ضيق يعجز أكبر الدول في العالم عن أداء هذا الواجب الثقيل، ولكن السعودية استطاعت العبور به إلى بر الأمان دائماً، ولم يعرقل هذا الأمر إلا دعاة التسييس الأصليون إيران الحاضر وقرامطة التاريخ الغادر عندما قتلوا أكثر من ثلاثين ألف حاج وسرقوا الحجر الأسود بلا أدنى حياء من رب البيت في بيته المعظَّم، وجاءت قطر لتنضم اليوم إلى ذات التبجح المسيس من جهتها فقط لا غير، مهرولة وراء مصدري الخراب في العالم العربي. فلدى إيران مشروع لتحويل هذا المكان المقدس من مكان يعبد فيه رب البيت إلى عبادة آل البيت، رغم احترامنا لكافة آل البيت وتقديرنا لهم، ورفع راية الحسين على الكعبة وغيرها من الأماكن هو عين التسييس التي يجب أن تُفْقع قبل أن تأكل الطائفية بقية الخير في هذه الأمة، ألهذا تطبل قطر؟ اسمعوا رد المقدم على الضيف: «أنت تقحم موضوع غير موجود»، لا سلام على هكذا إعلام؟!