الإسلام في الجزائر يمثّل هويَّة تتقدم على الانتماء للوطن، ليس فقط لأن الجزائريين وجدوا فيه على طول تاريخهم مرجعيَّة لحماية الذات الفردية والجماعية، وإنما لأنه أعطاهم ثقافة العقيدة، وعمّق فيهم معاني القوة المادية - العسكرية، والقوة المعرفية - الناعمة، والأكثر من هذا أنه كان الملجأ في عقود الاستعمار المظلمة، ولم تتمكَّن الجماعات الخاضعة بالشراكة مع فرنسا من إخضاعه، ولا الجماعات الإرهابية خلال العشرية الدموية «السوداء» من تطويعه ليقض مضاجع الشعب، أو يُحرَّف لصالح توجهات تلك الجماعات، ومن ساندها من غُلاة الإسلاميين، أو من الرَّافضين على مستوى المؤسسات الجزائرية للهوية الإسلامية، انتماء وحضورا. ولأن الإسلام على النحو السابق في الجزائر، فإن محاولة تغيير ما صُنَّف على أنه محدد للانتماء من خلال منظومة التعليم يعدُّ شيئا نُكْراً، وسيؤدي مع الوقت إلى عودة الإرهاب بمبررات أقلها: اعتبار الدولة الجزائرية عَلْمانية «أو لائكية بالتعبير المشتق من الفرنسية»، وهذا مرفوض من الشعب - قاطبة - ولذلك فإن ما أقدمت عليه وزارة التربية الجزائرية «تشرف على مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي» مع الدخول المدرسي الجديد، من حذف البسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» من الكتب المدرسية الجديدة، أثار جدلاً واسعاً، خاصة بعد تنديد عدة جمعيات فاعلة في الجزائر بهذا القرار، ومنها: جمعيَّة العلماء المسلمين، التي ظهرت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومثلت مرجعيّة للإسلام الوسطي النوراني، الرافض للاستعمار من جهة وللشعوذة الدينية وللتخلف من جهة ثانية، لمدة تجاوزت 85 عاماً، وهي التي حددت عبر مؤسسها الأول «عبد الحميد بن باديس» ثوابت الدولة الجزائرية في شعارات ثلاثة «الجزائر وطننا، الإسلام ديننا، العربية لغتنا». يبدو الجدل الدائر حاليا في الجزائر متأخراً، ذلك أن وزيرة التربية نورية بن غبريط، أكدت خبر إلغاء وزارتها للبسملة من الكتب المدرسية التي أطلقتها في شهر يونيو الماضي والخاصة بالسنة الدراسية الحالية موضحة: «البسملة موجودة في كتب التربية الإسلامية لأنها إجبارية، أما حذفها من باقي الكتب يتحمل مسؤوليته المصممون والمشرفون على طباعة الكتب»، ونورية بن غبريط لمن لا يعرفها هي باحثة ومؤلفة فرانكفونية وأستاذة في علم الاجتماع، تمَّ تعيينها في 5 مايو 2014 وزيرة للتربية الوطنية في حكومة عبد المالك سلال الثالثة. ويرى مؤيدون للوزيرة «بن غبريط»، أنها تقوم بإصلاح المنظومة التعليمية على نطاق واسع، وهي نفسها مقنعة بأنها تعمل لتطوير التعليم في البلاد، خاصة أنها تراهن على تغيير ذهنيّات الأطفال، وإخراجهم مما تعتبره انغلاقاً إلى انفتاح فكري وثقافي على المستوى العالمي، وقد تكون مُحقَّة في بعض ما ذهبت إليه، لكن المعطيات الأولية تشي بفشل مشروعها؛ لأنها اقتربت من منطقة محظورة، ذلك لأن مُنْتقديها وخاصَّة«جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» - كما جاء في تصريح رئيسها عبد الرزاق قسوم: ترى «أن البسملة جزء من هويتنا، ومن عقيدتنا، وأن حذفها يمثل اعتداء على عقول أطفالنا، ومساساً بشخصيتنا وهويتنا.. وأن الدستور، وهو المرجعية العليا للبلاد، يبدأ بالبسملة.. وبيان أول نوفمبر- مرجع الثورة الجزائرية - يبدأ كذلك بالبسملة.. وخطابات رئيس الجمهورية، وكل المؤلفات الدراسية منذ أربعة قرون على اختلاف تخصصاتها تبدأ بالبسملة». على خلفيَّة ما سبق، يأتي سؤال الجمعية: ما الهدف من حذف البسملة الآن؟، ومأ الأجندة التي سيخدمها، مثل هذا الإجراء؟.. وقد تكون الإجابة، هي: حذف البسملة بداية للتغيير في الهوية، وهذا لن يتحقق، لكنه سيرهق الدولة الجزائرية صَعُوداً، ويفرض إرهاباً جديداً مدخله الحرب من أجل الهوية.