بعد الدمار الذي ألحقه الإعصار «هارفي» بهيوستون -وهو دمار كان متوقعاً حسب تنبؤات خبراء الأرصاد الجوية- ربما تكونون قد توقعتم أن الجميع سيأخذون حذرهم، عندما حذر نفس الخبراء من الخطر الذي يمثله الإعصار «إيرما»، ولكنكم تدركون الآن، بالطبع، أنكم كنتم مخطئين. ففي يوم الخميس الماضي، اتهم «رش ليمباو» مقدم برامج «التوك شو» المحافظ علماء المناخ باختلاق تهديد «إيرما»، لأغراض سياسية، ومالية، وذلك حين قال: «هناك رغبة لدفع أجندة المناخ قدماً، والأعاصير واحدة من أسرع وأفضل الطرق لعمل ذلك». وأضاف ليمباو: «فالخوف والفزع يساعدان على تسويق البطاريات، والمياه المعبئة في قنانٍ، وإعلانات التلفزيون». ومع ذلك، أخلى ليمباو قصره الفاخر في «بالم بيتش»، بعد أن قال هذا الكلام بفترة قصيرة. على نحو ما، يجب أن نكون ممتنين لليمباو لقيامه، على الأقل، بإثارة موضوع التغير المناخي، وعلاقته بالأعاصير، على رغم أنه موضوع تحاول إدارة ترامب جاهدة تجنبه. فعلى سبيل المثال، أدلى «سكوت برويت» رئيس وكالة الحماية البيئة، بتصريح قال فيه إن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإثارة هذا الموضوع - وإن إثارته سلوك يتسم «بعدم الحساسية» تجاه معاناة أهالي فلوريدا. وقد لا تكون هناك حاجة للقول إنه بالنسبة لأناس مثل «برويت»، لن يكون هناك أبداً وقت مناسب للحديث عن المناخ. وإذن، فما الذي يمكننا تعلمه من غضبة ليمباو؟ حسناً، إنه شخص فظيع، ولكننا كنا نعرف ذلك بالفعل. والنقطة المهمة هي أنه ليس الوحيد الخارج عن السياق. صحيح أنه لم يكن هناك عدد كبير من الأشخاص النافذين، الذين رفضوا التحذيرات بشأن إعصار «إيرما» تحديداً، ولكن إنكار العلم، والقيام في الآن ذاته بالهجوم على العلماء، ووصفهم بالمرتشين الذين ينطلقون من دوافع سياسية، هو في الحقيقة، من الإجراءات المعتادة في أجندة اليمين الأميركي. وعندما أعلن دونالد ترامب أن موضوع التغير المناخي «مجرد خدعة» فقد كان يتصرف، في الحقيقة، كجمهوري عادي. وبفضل فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بات المحافظون اليمينيون الجهلاء، المناهضون للعلم، هم الذين يديرون الحكومة الأميركية في الوقت الراهن، كما أصبحت جميع حالات إنكار التغير المناخي -تقريباً- تحمل في طياتها إحالة لنظرية المؤامرة، على غرار ما يفعل ليمباو. ومع ذلك، فهناك إجماع علمي ساحق على أن الأنشطة البشرية هي سبب احترار الكوكب. وعندما يعارض السياسيون والخبراء المحافظون هذا الإجماع، فهم لا يفعلون ذلك على أساس التفكير المتأني في الأدلة، وإنما على أساس تفنيد دوافع آلاف العلماء في مختلف أنحاء العالم. فهم يصرون على أن جميع هؤلاء العلماء مدفوعون بدافع المنافسة مع نظرائهم، وبدوافع الحصول على مكافآت مالية، ولذلك يقومون بتزييف البيانات والمعلومات، وقمع الآراء المخالفة. وهذا كلام مجانين بالطبع، ولكنه للأسف، هو التوجه السائد في التيار الرئيسي لليمين الجديد، وبين الخبراء حتى الخبراء المناوئين لترامب- والسياسيين على حد سواء. فبعض الجمهوريين المحبطين، يحبون التحدث عن العصر الذهبي للفكر المحافظ، الذي جاء في فترة ما من الماضي. وفي الحقيقة أن هذا العصر الذهبي لم يوجد قط، وإن كان يتعين القول، مع ذلك، إنه كان هناك وقت في الماضي كان لدى بعض المثقفين المحافظين فيه أفكار مستقلة، ومثيرة للاهتمام. ولكن تلك الأيام ولّت منذ زمن بعيد، أما اليوم فإننا نجد أن المثقفين في فضاء الجناح اليميني باتوا، من حيث الجوهر، أهل دعاية، وليسوا باحثين. ومن المعلوم أن سياسيي الجناح اليميني، يلجؤون إلى مضايقة واضطهاد الباحثين الحقيقيين، الذين لا تروق لهم نتائج أبحاثهم، وهو جهد اكتسب زخماً هائلاً، بعد أن أصبح ترامب في موقع السلطة. وعلى رغم أن إدارة ترامب غير منظمة على العديد من الجبهات، فإنها تعمل على نحو ممنهج على تطهير علم المناخ، وعلماء المناخ، كلما أتيح لها ذلك. وكما قلت من قبل، فعندما يتخيل أناس مثل ليمباو أن الليبراليين منخرطون في مؤامرة لترويج أفكار زائفة عن المناخ، وقمع الحقيقة، فإن ذلك يبدو منطقياً بالنسبة لهم -جزئياً على الأقل- لأن ذلك هو ما يقوله أصدقاؤهم تماماً. ولكنه يبدو منطقياً لهم أيضاً، لأن المحافظين باتوا، وعلى نحو مطرد، أكثر عداءً للعلم بشكل عام. فالأبحاث تظهر انخفاضاً مطرداً في ثقة المحافظين في العلم منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، وهو أمر من الواضح أنه ينطلق من دوافع سياسية، وليس لأن العلم قد توقف عن العمل. صحيح أن العلماء قد ردوا الصاع صاعين، وفقدوا هم أيضاً ثقفتهم في المحافظين: فما يزيد على 80 في المئة منهم يميلون الآن للديمقراطيين، إلا أن هذه لا تعدو كونها محصلة طبيعية، إذ كيف يمكن لأي أحد أن يتوقع من العلماء أن يؤيدوا حزباً، لا يعترف مرشحوه الرئاسيون بنظرية التطور. وخلاصة الأمر أننا قد بتنا محكومين الآن، من قبل أناس لا ينفرون من المجتمع العلمي فحسب، وإنما أيضاً من فكرة العلم ذاتها القائمة على أن التقييم الموضوعي للأدلة، هو الطريقة الوحيدة لفهم العالم. وهذا الجهل المتعمد مثير للقلق للغاية، لأنه يمكن، في الواقع، أن ينتهي بتدمير الحضارة. بول كروجمان كاتب أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»