يبدو أن أفق عودة القيادة القطرية إلى رشدها السياسي يزداد ضبابية مع كل محاولة خليجية في ذلك السبيل، حيث لم يعهد أبناء الخليج تعنت دولة خليجية وإصرارها على العناد بهذا القدر من التشدد ضد محاولات إرجاعها إلى الصف الخليجي. والمشكلة أن الشعب القطري نفسه، وأبناء المنطقة لا يعرفون ما إذا كان لديهم قدرة على احتمال المزيد من التخبط السياسي لنظام «الحمدين»، لاسيما أن قطر تدير أزمتها «بجيوش إعلامية» غير قطرية، ولا تنظر لمصلحة الشعب القطري أو الخليجي. فالخبر الذي نقلته وكالة أنباء قطر «قنا»، مؤخراً، وزعمت فيه أن الاتصال الذي تم بين الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود جاء بتنسيق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، له مدلوله السلبي للغاية على المساعي الخليجية لضبط الأزمة، ومحاولة إخراجها عن المحيط الجغرافي لها. فقد ظن البعض من أصداء المحادثة الهاتفية التي تمت بداية هذا الأسبوع أنها ستعمل على إنهاء الأزمة الخليجية وتحافظ على النسيج الخليجي المتعارف عليه، لكننا في أقل من ساعة اكتشفنا أن أسلوب قطر في «تأزيم» العلاقات أكبر وأوسع بكثير مما كان يعتقده أكثر المتفائلين فيها، بحيث فجر الخبر إصرار قطر على أن الحل ليس في الخليج أو الرياض، ولكن في واشنطن أو أي مكان آخر في العالم، فأبسط ما يمكن أن نستنتجه هو أن الموقف القطري هو دعوة للانسحاب من مظلة دول مجلس التعاون الخليجي، وتكريس لتدويل الأزمة أو «أقلمتها» من خلال التقارب مع خصوم الخليج وقبول التدخلات الخارجية. إن النقطة المهمة التي ينبغي أن يضعها صانعو القرار القطري في الاعتبار، هي أن إيران وتركيا هما أكثر الدول سعادة بابتعاد الدوحة عن أشقائها، ودليل ذلك أن علاقاتها تحسنت معهما بعد الأزمة. وما يقلق الخليجيين أن يتم توظيف قطر لمصلحة الدول الإقليمية والدولية، فالتجربة السياسية علمتنا ذلك، ولبنان مثال عليه. وبلا شك أن، قطر تسجل فشلاً سياسياً بعد فشل في المساعي الخليجية لتحقيق انفراج في الأزمة، وبدلاً من أن تمتص غضب «أشقائها» من سياستها في دعم وتمويل الإرهاب والتطرف فإن أساليبها العبثية تؤدي إلى زيادة «تأزيم» المشكلة، وأنها تحاول تضخيم المشكلة، خلافاً لما اعتادت عليه الدول الخليجية التي تحاول الحفاظ على وحدة البيت الخليجي. وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه في قطر هناك ما يسمى «التمزق الفكري السياسي»، ففي الوقت الذي تصر فيه قطر من خلال وزير خارجيتها، وكذلك من خلال إعلامها المدعوم، على أن دول المقاطعة هي المتشددة، نجد في المقابل أنها هي التي تؤزم المشكلة، وهو ما يعبر (ضمن مواقف عديدة) عن حالة من التخبط والارتباك في القيادة السياسية القطرية. والحقيقة أن المواقف السياسية القطرية لا تعبر بتاتاً عن قطر الدولة الخليجية التي يعرفها الجميع قبل عام 1995، ولا عن الشعب القطري الخليجي، وإنما عن أناس يبحثون عن مشاكل في المنطقة، خدمةً لمصالحهم الشخصية والحزبية، وربما لأجندات إقليمية ودولية، فمن كان يتصور أن يتحول خصوم العرب والخليجيين، إيران وتركيا، إلى حلفاء قطر، لصيروا أقرب إليها من دول الخليج، ومن كان يصدق أن وساطة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح لم يكتب لها النجاح، وهو لم يفشل في أي محاولة سابقة، بل الأشد من ذلك أن نظام قطر حاول أن يحرفها وكأنه يريد أن يرسل إشارة مفادها أن كل المحاولات لانفراج الأزمة مسدودة إلا إذا جاءت من خارج الإقليم. عدد كبير من الساسة والمثقفين الخليجيين يحملون القيادة السياسية القطرية مسؤولية «اختطاف قطر» من محيطها الإقليمي، وجعلها سبباً في تدهور العلاقات الخليجية الخليجية. وفي ظل هذه الصورة الضبابية لموقف قطر، التي بدأت تتراجع مصداقيتها أمام الرأي العام القطري نفسه، لاسيما مع الدور السلبي لوسائل الإعلام القطرية.. يبدو أن قرار قطر لم يعد يهتم بالمحيط الإقليمي الطبيعي لها. وبناءً على ما سبق، فإن قطر (الدولة والمجتمع) أكثر المتضررين لسببين اثنين، الأول: أن قطر ستصبح قاعدة عسكرية ليس للولايات المتحدة فقط، وإنما لتركيا التي تمنت يوماً أن يكون لها موطئ قدم في الجزيرة العربية التي تم إخراجها منه بالقوة، لاسيما أن طموحات أردوغان أكبر من قيادة بلاده. أما إيران، فلا تحتاج لقاعدة عسكرية لأن لديها أساليبها في التغلغل في المجتمعات العربية بغية تقسيمها من الداخل. السبب الثاني، أن قطر ستخسر أشقاءها الخليجيين بسبب قراراتها التي تعبر عن وجود تمزق في طريقة التفكير السياسي، كنتيجة للمزاجية السياسية، لذا يمكنها أن تغير حساباتها في أية لحظة. المتوقع الآن هو أن الأيام القليلة القادمة ستكون مسكونة بالكثير من المفاجآت بعدما تحقق لقطر تدويل الوساطة بتدخل الرئيس الأميركي، والقلق هو من أن تتضاعف الأحزان على القيادة القطرية، التي لن يكون الرابح فيها سوى من يعملون ضد المصالح الخليجية وهم كثر!