نحن الآن نعلم الدوافع. فمن خلال التدخل في نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، كانت الطبقة الأوليجاركية الروسية تسعى ليس فقط إلى تعطيل سياسة واشنطن، بل أيضاً إلغاء العقوبات، سواء تلك التي تم تطبيقها عقب غزو روسيا لأوكرانيا أو تلك المرتبطة بقانون ماجنتيسكي الذي كان يستهدف مسؤولين متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان. وفي محاولة للحصول على الدعم الروسي، كان هنا من يأمل الحصول على تدفقات مالية كبيرة من استثماراته في موسكو. وإلى جانب هذه الدوافع، فقد أظهرت صحيفة «نيويورك تايمز» بصورة واضحة قراصنة «الإنترنت» الروس المحترفين الذين غالباً ما يعملون خارج سانت بطرسبرج، والذين وضعوا مئات الصور المزورة على حسابات على موقعي التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» خلال الحملة الانتخابية. ثم قاموا بنشر آلاف القصص الوهمية والميمات والشعارات، ودعموا روايات مناهضة للمرشحة هيلاري كلينتون وربطوها بموقع «ويكيليكس» الإلكتروني الذي نشر «الإيميلات» التي سرقها القراصنة الروس من حملة هيلاري. وهذه الرسائل التي ظهرت من خلال هذا الاختراق كانت عادية تماماً. بيد أن الناشطين المزيفين قالوا إنها تحتوي على «حقائق خفية»، وألمحوا إلى أنها كانت جزءاً من عملية «سوروس» السرية، المسماة باسم الممول الليبرالي «جورج سوروس»، وأقنعوا الناس بالاطلاع عليها. هذه هي الطريقة التي استخدمها الناشطون الروس من قبل. وقد أظهرت الانتخابات السابقة، في بولندا وأوكرانيا، أن المواد المسروقة يمكن استخدامها لإثارة نظريات المؤامرة التي لا تموت أبداً. ونعلم ما حدث بعد ذلك، فقد انتقلت القصص المزيفة والميمات والشعارات من شبكة الحسابات «الأميركية» التي ترعاها روسيا إلى شبكات الأميركيين الحقيقيين. ونالت بعض هذه القصص اهتماماً كبيراً، مثل نظرية مؤامرة «بيتزاجيت»، ومفادها أن هيلاري كانت جزءاً من عصابة للمتحرشين بالأطفال تدار من محل بيتزا في واشنطن. وبعض القصص الأخرى، مثل النظرية التي تزعم أن باراك أوباما هو من أسس تنظيم «داعش»، أو تلك التي تقول إن محرك بحث «جوجل» كان يعمل نيابة عن هيلاري.. لم تنل سوى القليل من الانتباه، لكنها حظيت باهتمام لسبب آخر: فهي لم يتم الترويج لها فقط على الشبكة الروسية المزيفة التي اشترت الإعلان من أجل الترويج لها بصورة أكبر، بل أيضاً تم الترويج لها على شبكات إخبارية روسية مفتوحة، بما فيها الخدمة الإخبارية الناطقة بالإنجليزية «سبوتنيك». وبعد ذلك، تكررت علناً من قبل المرشح ترامب. وفيما يلي جزء من القصة التي لا نعلمها: كيف عرف الروس الذين هم وراء الحسابات «الأميركية» المزيفة الأميركيين الحقيقيين الذين سيكونون أكثر حماساً لقراءة نظريات المؤامرة وقصصها على فيسبوك؟ ربما حالفهم الحظ، وربما وجدوا شبكات واسعة من الأشخاص الراغبين في الاطلاع على نظريات المؤامرة هذه وتمريرها، أو ربما حصلوا على بعض المساعدة. بالتأكيد، كانت حملة ترامب لديها هذا النوع من المعلومات، ومؤخراً فاخر أحد مدرائها أثناء لقاء أجرته معه شبكة «بي بي سي»، بقدرتهم على «الاستهداف» في الفيسبوك وغيره. وهناك جزء آخر لا نعلمه: كيف استخدم ترامب نظريات المؤامرة ذاتها التي كانت تنتشر على وسائل الإعلام الروسية، سواء أكانت حقيقية أم مزيفة؟ ربما يكون هذا قد حدث مصادفة، وربما يكون حدث تنسيقاً. آن آبلباوم محررة الشؤون الخارجية في صحيفة «واشنطن بوست» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»