لا يوجد سقف لطموحات دولة الإمارات في تطوير وتحديث التعليم، والعمل بجد لترسيخ مفاهيم الاستثمار الأمثل في عقول أبنائها وتحقيق الاستدامة في العملية التعليمية التي يصاحبها تطوير شامل في المؤسسات التعليمية والتربوية عاماً تلو الآخر. ففي بداية هذا الأسبوع باشر نحو مليون طالب وطالبة الدراسة في بداية عام دراسي جديد، وتحدٍّ معرفي متواصل، للنهل من العلوم والمعارف التي تسهم بشكل واضح في رسم شخصية الأجيال الإماراتية الصاعدة وصقل خبراتها ومواهبها الإبداعية. ومنذ تأسيس الدولة على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آلِ نهيان، طيب الله ثراه، لم تدخر الدولة جهداً في دعم المؤسسات ورفدها بأحدث الوسائل والكوادر التي ساهمت في رفعة التعليم، والمنافسة في الحصول والوصول إلى مخرجات قادرة على خلق الفرق في الابتكارات والإبداعات المواكبة لمتغيرات العصر الحديث. ولم تكتف قيادتنا الرشيدة بهذا الحد، بل واصلت الجهود الحثيثة بكل طاقتها ومواردها لتطوير المؤسسات التعليمية وفقاً لأحدث ما توصلت إليه الأمم والشعوب المتقدمة، بل وحرصت على وضع بصمات واضحة في هذا المجال الحيوي حينما وجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آلِ نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتوحيد السياسات والإجراءات بين كل من وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم، الأمر الذي يَصب في تحقيق أعلى معدلات الكفاءة في الأداء التعليمي، والاستفادة من كافة الخبرات والكفاءات خدمة للتنمية البشرية التي أولتها الدولة كل اهتمامها، ووفرت لها كافة سبل النجاح والارتقاء دائماً في مستوياتها نحو الأعلى والأرقى في كل المؤشرات والمهارات. كما أن حرص قيادتنا الرشيدة على متابعة جهود وخطط تطوير العملية التعليمية بشكل مباشر، والسعي الدؤوب لتحقيق أعلى معدلات الاستثمار في العقول لمواكبة أسواق العمل، وتمكين الطلاب والطالبات من بلوغ مراحل العالمية والتنافسية في شتى التخصصات وتحقيق التفوق العلمي، واكتساب مهارات وخبرات، كل ذلك كفيل بأن يضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة. وقد أدركت دولة الإمارات مبكراً أهمية التعليم وعملت على توفير كل ما من شأنه أن يسهم في كسب جميع رهانات المستقبل في مجال تربية الأجيال وبناء الإنسان، انطلاقاً من رؤية القيادة الرشيدة بأن المواطن المتعلم والقادر على خدمة الوطن بإخلاص وكفاءة هو رأسمالنا الحقيقي. ولا شك أن بناء الإنسان هو الرهان الرابح والأكيد في كل مشروعات التنمية، وفي هذا أمثلة حية من تجارب شعوب وأمم كثيرة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كانت كوريا الجنوبية في بداية ستينيات القرن الماضي تعد ضمن الدول المعدمة، غير القادرة على تخطي عتبة الفقر. وكان الكوريون يعتقدون أن تجاوز مشكلات اقتصاد بلادهم المزمنة مهمة مستحيلة، في ظل عدم وجود أي موارد طبيعية وكثافة تعداد سكانها. وتكهن خبراء البنك الدولي بأن تلك الدولة بحاجة إلى 100 عام على الأقل، حتى تستطيع استعادة عافيتها لأنها مدمرة تماماً من جراء الحرب الكورية المريرة. وفي النهاية وجدت كوريا الجنوبية طريق الخلاص من أزمة الفقر وشح الموارد من خلال بالنهوض بالتعليم، الذي كان هو الحل الأمثل لتحويلها إلى دولة عصرية غنية تمتلك كل مقومات الرفاهية والازدهار، وقد تخطى اقتصادها التريليون و400 مليار دولار. وبفضل كفاءة أداء التعليم أصبحت كوريا الجنوبية تحتل اليوم المرتبة الخامسة عالمياً في مجمل الصناعات، وغزت منتجاتها الإلكترونية الأسواق العالمية. وليس حال سنغافورة بعيداً أيضاً عن حال كوريا الجنوبية، فبعد أن كان سكان تلك الجزيرة الصغيرة يفترشون الأرض ويعيشون في ظروف من الفقر وشح الموارد، فضلاً عن كونهم شعباً غير متجانس عرقياً، تحولت بفعل كفاءة النظام التعليمية والاهتمام ببناء الإنسان إلى إحدى أهم الوجهات العالمية، ومركز مالي يشار إليه بالبنان. وهذان النموذجان وحدهما هما خير مثال على أن كفاءة التعليم وبناء الإنسان تمثل في حد ذاتها رافعة، بل طاقة لا تنضب، ومن الممكن أن تكون طاقة مستدامة لنموذج الدول العصرية، فالعقول البشرية قادرة على أن تكون هي الوقود الذي تنير طريق الحضارات، تضمن ازدهارها، وبالعلم وحده تستطيع الدول والشعوب أن تحقق طموحاتها وتطلعاتها في الحاضر والمستقبل. واليوم تحرص الإمارات بكل إرادة مخلصة وعزيمة قوية على أن تكون لها تجربتها الخاصة في إطلاق المدرسة الإماراتية التي تجمع بين الأصالة والحداثة في جانبيهما الإيجابيين، وتعنى بالتربية الأخلاقية وغرسها في النشء، حتى تكون هذه الأجيال صمام أمان للوطن، وطاقة بنائه التي لا تنضب، ومشاعل مضيئة تنير طريقه إلى العلى والرقي والازدهار.