على ?رغم ?ما ?قد ?يبدو ?إسهاماً ?للعولمة ?في ?تكريس ?المواطَنة «?العالمية»?، ?كونها ?تدفع ?بالمزيد ?من ?الحرية ?في ?الفعل ?والتنقل ?والتعبير، ?وكونها ?أيضاً تنحو ?بجهة ?تسييد ?الانفتاح ?والديمقراطية، ?إلا أن ?عوامل ?التضاد ?والممانعة ?بين ?العولمة ?والمواطنة «?العالمية» ?هي ?أقرب ?إلى ?التكريس ?منها ?إلى ?عوامل ?الالتقاء ?والتكامل، ?بما ?يفرض ?مجموعة ?من ?المعطيات ?التي ?تجعل ?علاقة ?العولمة ?والمواطنة «?العالمية» ?علاقة ?تضاد ?وممانعة ?أكثر ?منها ?علاقة ?التقاء ?وتكامل، ?ولبيان ذلك نشير إلى ?النقاط ?التالية: أ- التوجه المستمر والمتسارع للعولمة في تدمير المقومات الكبرى التي ارتكزت عليها الدولة/ الأمة في تشكلها وفي صياغة آليات اشتغالها، فبقدر ما تزداد واجبات الأفراد والجماعات (في العمل وضرورات «التأقلم والانضباط» وغيرها) بقدر ما تتقلص حقوقهم وتضيق. ب- الاتجاه المتسارع والحثيث لظاهرة العولمة نحو تقويض المرافق الكبرى التي يعتبر وجودها واستمرارها من وجود واستمرار مبادئ المواطنة نفسها، بحيث لم يقتصر استهداف العولمة، في هذا الاتجاه، على المجال الاقتصادي والاجتماعي الذي يعتبر «دخيلًا» على المواطنة بل تعدى ذلك إلى الجانب السياسي والمدني الذي لطالما أسس لجوهر المواطنة وكرس لمختلف أبعادها. ج- «القيم الديمقراطية» التي لم تفتأ العولمة تقدمها لبناء المواطنة «العالمية» ولا يتراءى لفاعليها من مواطنة سواها، حيث لا ينحصر الأمر هنا فقط في إشاعة العولمة لمبادئ وقيم النظم الليبرالية وصهر ما سواها من الأنظمة فيها، بل يتعدى ذلك أيضاً إلى فرضها لمنظومة «ديمقراطية السوق» التي لا تختلف في شكلها كما في المضمون، عن فضاء المتاجرة الذي يعتمده اقتصاد السوق ويقوم عليه في الجملة والتفصيل. د- خاصية الاختلاف، في المرجعية كما في الممارسة، التي تدفع بها المواطنة ولا ترى فيها ظاهرة العولمة إلا ضرباً من ضروب «عدم مجاراة العصر»، فالعولمة توحد في النظرة ووحدة في التمثل، في حين أن المواطنة هي تعدد واختلاف في النظرة كما في التمثل. وعلى هذا الأساس، فعولمة المواطنة هي عولمة لذات النظرة وعولمة لذات التمثل، في حين أن مواطنة العولمة (بمعنى تطعيمها بقيم المواطنة) هي تعدد لها وتعدد لأبعادها، وعلى أساس هذه الخلفية فلا مواطنة «عالمية» تذكر إذا اعتملت بداخل العولمة تصورات وتمثلات هي إلى إفراغ المواطنة من محتوياتها أقرب منها إلى تطعيمها بقيم وتصورات جديدة. وهنا يكمن دور المؤسسات الدستورية الديمقراطية في الانتصار لحقوق الجاليات والأقليات المسلمة في القارة الأوروبية، والتي تغذي مشروع «المواطنة الأوروبية»، ما دام الحديث عن «المواطنة العالمية» يبقى بعيد المنال نظرياً وعملياً. ولعل القرار الصادر عن برلمان مجلس أوروبا في آخر شهر يونيو 2010، في موضوع التفاعل مع نتائج الاستفتاء السويسري القاضي بمنع تشييد المآذن، يؤكد الدور الكبير والخطير لمثل هذه المؤسسات في هذا الإطار المؤسس للمواطنة الأوروبية، ما دمنا نعيش في واقع الاتحاد الأوروبي. حيث دعا برلمانيو مجلس أوروبا إلى إلغاء قرار سويسرا ?بمنع ?بناء ?المآذن ?الذي ?أصدرته ?في ?ضوء ?استفتاء ?شعبي، ?كونه ?يعتبر ?تمييزاً ?بحق? ?المسلمين ?في ذلك ?البلد. ?وعقب ?نقاش ?حول «?الإسلام ?والتيار ?الإسلامي ?وكره? ?الإسلام ?في ?أوروبا»?، ?أوصى ?المجلس ?بإلغاء ?المنع ?في ?أقرب ?وقت ?ممكن ?لأنه ?إجحاف ?بحق? ?المسلمين. ?كما ?أوضح ?بيان ?صدر ?عن ?البرلمان ?الأوروبي ?أن ?بناء ?المآذن ?يجب ?أن ?يكون ?ممكناً ?على ?غرار ?أجراس? ?الكنائس ?مع ?احترام ?ظروف ?الأمن ?العام ?وكيفية ?تنظيم ?المدن. ?وبهذا ?الدرس ?الحقوقي ?الأوروبي، ?يمكن ?القول ?إنه ?بإنشاء ?الاتحاد ?الأوروبي ?برز? ?شكل ?جديد ?من ?المواطنة، ?بحيث ?لا ?تكون ?علاقتها ?بدولة ?واحدة ?بل ?تتجاوزها ?من? ?الدولة ?الواحدة ?إلى ?مجموع ?الدول ?التي ?توحدها ?نصوص ?دستورية ?ومواثيق ?تنسق? ?السياسات ?والمواقف ?والبرامج ?في ?كافة ?المجالات. ?ويمكنها ?أن ?تقدم ?خدمات ?حقوقية ?كبيرة ?لمشروع ?المواطنة ?الأوروبية، ?وخاصة ?أن ?العقل? ?الأوروبي ?الجمعي ?تنبه إلى ?بروز ?معالم ?هوية ?بين ?وطنية ?تشاركية ?وتعاهدية ?كفيلة ?بأن ?تقوي ?الوعي ?الأوروبي ?العام ?باعتماد ?متبادل ?بين? ?الدول ?ومكونات ?المجتمعين ?السياسي ?والمدني.