عندما نتحدث عن المنظومة التعليمية بالدولة، لا بد وأن نشكر قيادتنا الرشيدة على الاهتمام التي توليه بقطاع التعليم، ونشيد بالجهود الحكومية الجبارة التي تُبذل، وذلك لتطوير الواقع التعليمي والسياسات التعليمية الرئيسية، وحث ومتابعة القيادات التربوية في القطاع التعليمي لكي تواكب أفضل الممارسات التعليمية في العالم، والذي بدوره سيمكن طلبتنا ليكونوا أكثر تكيفاً وابتكاراً ومشاركةً على الصعيد العالمي وتعزيز النظام التعليمي لينال الاعتراف والتقدير الدولي، ويزيد الشراكات العالمية ويدفع التعاون مع المجتمعات المحلية والشركاء الدوليين. ومن جهة أخرى، فإن نظام التعليم في أي دولة في العالم، لا يمكن أن يتجاوز نوعية المعلمين والمعلمات والعقول التنفيذية الميدانية التي تقف خلف استراتيجيات تطوير التعليم المدرسي فيه وبما يلائم البيئة والمعطيات المحلية ووضوح رؤية، كيف سيحقق الأطفال والطلاب من جميع الأعمار مستويات عالية من الأداء الأكاديمي، واكتساب القيم الأخلاقية العليا، وإدراك معنى المواطنة الصالحة والحصول على الخبرات التعليمية الغنية التي تبدأ عند الولادة، وتستمر في مرحلة البلوغ بداية بأن يطور جميع الأطفال صحة عقلية وبدنية إيجابية، وإحساس إيجابي بالذات والانتماء، والمهارات اللازمة لاتخاذ خيارات إيجابية. فكل طالب يتفوق عن الآخر في نوع معين من أنواع الذكاء الثمانية، ويجب أن تعرف نقاط قوة وضعف كل طالب، ويوثق ذلك ضمن نظام وطني للتمكين وبناء القدرات الخاصة وتنمية مهارة التفكير في الأسئلة الكبيرة عن الكون مثلاً، ومعنى الحياة، والمقدرة على ربط المفاهيم التي تبدو غير ذات صلة، والانسجام والتعاطف مع الغير، وجعل عقولهم متفتحة للأفكار الجديدة، وتشجيع فضولهم المعرفي، وتعليمهم مهارات المرونة والتكيف، وغيرها من الصفات المهمة، لخلق إنسان مبدع وصاحب إنتاج نوعي مستدام. فالمعرفة والدراية بكيفية تنفيذ التكنولوجيا وإدماجها في الفصول الدراسية بكفاءة أمران في غاية الأهمية لجميع الطلاب، ولكن ماذا عن مهارة توقع المستقبل والتخطيط له وإعداد الطلاب للمجهول على أساس الاتجاهات الحالية للتكنولوجيا والقدرة على تبني التغيير للطالب والمعلم والتركيز على التعليم قبل التعلم، وإدخال «التعلم التطبيقي»، الذي يتيح للطلاب اكتساب الخبرة في الحياة الحقيقية في مختلف القطاعات وتحقيق توازن أفضل بين نقل المعارف وتطوير المهارات والقيم؛ وتنمية مادة الرياضيات والمواد العلمية لتكون تطبيقية؟ ونستطيع أن نتحدث إلى مالا نهاية عن اكتساب المعرفة، ولن يجدي اكتساب المعلومات شيئاً، ولن يصبح هناك فرق كبير بين الحشو والمعرفة، ما لم يكن الشخص واثقاً من نفسه وقوياً وشجاعاً وعقلانياً في إبداء الرأي والمناقشة، ويفكر بشكل مستقل وناقد، وقادر على التواصل بشكل فعال والتعلم ذاتياً وتحمل المسؤولية عن تعلمه وما يتعلمه، وأن يصبح مساهماً نشطاً قادراً على العمل بفعالية في فرق عمل مشترك، ومبادراً مع أخذ المخاطر المحسوبة، وأن يسعى للتميز، وأن يكون باحثاً متعطشاً للبحث العلمي. كما يجب أن يدرك المعلمون أهمية تكييف خبراتهم للتمييز بين احتياجات الطلاب في الفصول الدراسية وأنماط التعلم المختلفة الأكثر فعالية لكل واحد منهم، وذلك لمطابقة المهام لمستويات الجاهزية، وتقديم التدخل المناسب أو أنشطة الإرشاد على النحو المطلوب، والسماح للأطفال باختيار الأنشطة على أساس مجالات الاهتمام والتدريس من خلال المجموعات الصغيرة، التي يتناوب فيها الطلاب مهام التدريس مع إشراك الأطفال في عملية تحديد الأهداف الدراسية السنوية لهم بطريقة واضحة جداً ومبسطة. فلماذا لا يطلب المعلم أو المعلمة من الأطفال تطوير حلول لمشاكل في العالم الحقيقي، وتشجيع منهجية التعلم القائم على الاستقصاء، حيث يولد الطلبة أسئلتهم الخاصة وفقاً لفضولهم أو اهتماماتهم، ثم يقومون بعد ذلك بالتحقيق فيها، مع ضرورة تبني سياسة الباب المفتوح في التعليم، والذي يرحب بأحدث التقنيات والمعارف والاكتشافات والأطروحات العلمية بصورة لا تتطلب تغيير النظام التعليمي مع كل تحدٍ يفرضه العصر الحديث والمزيد من اللامركزية وعدم الحاجة للمناهج الثابتة المكتوبة دون معرفة كيف سيستفيد الطالب من التعليم الحالي في مراحل حياته القادمة، والابتعاد عن نظام الامتحانات العقيم والتلقين، فلو صمم كل طالب اختباراً، وجهز الحلول المثالية له، وتبادل الطلاب تلك الاختبارات، لتعلمَ الفصلُ بالكامل جوهرَ المادة، وسيكون من السهل تقييم مدى جودة الاختبار الذي أعده الطالب، ومعرفة ما إذا كان يغطي جميع المفاهيم الرئيسية، كما يجب إشراك الأهالي والمؤسسات وجميع القطاعات في المجتمع ككل في وضع النظام التعليمي الأمثل فهو مستقبل التعليم.