قامت الحكومة النمساوية بنشر دراسة عن وجود «الإخوان المسلمين» في البلاد، وقد قام لورينزو فيدينو مدير «برنامج دراسات التطرف» في جامعة جورج واشنطن بالعمل عليها، بتكليف من وزارة الاندماج والخدمات الأمنية النمساوية. ويظهر التقرير أن أعضاء رفيعي المستوى من «الإخوان» من مصر وسوريا وفلسطين قد أسسوا شبكة مؤثرة في منطقة «الباين» المزدهرة والمسالمة، حيث تركّز بعض المنظمات التي أسّسها «الإخوان» في مساعيها على دعم نشاطات منظمات «الإخوان» في الشرق الأوسط. قبل سنوات عدة، قال الإعلام المصري إن تنظيم «الإخوان» قد نقل مقراته إلى مدينة كراز النمساوية، ولم تكن هذه الأخبار صحيحة ولكنها كانت مبنية على حقيقة لا غبار عليها، وهي وجود «الإخوان» بشكل كبير في البلاد، ومدينة كراز هي التي عمل فيها أيمن علي إماماً قبل عودته إلى مصر ليكون واحداً من أبرز مستشاري محمد مرسي. ويؤكد لورينزو في دراسته للحكومة النمساوية، أن نشطاء من «الإخوان المسلمين» يتولون إدارة نواحٍ مختلفة للإسلام في النمسا، وقاموا بأداء دور حلقة الوصل بين الحكومة النمساوية والجالية المسلمة المتنامية في النمسا. ويضع الدستور النمساوي الإسلام في مصاف الديانات الأخرى، بما فيها المسيحية، وهذا يعني أن الحكومة النمساوية مرغمة على تمويل تدريب الأئمة وتدريس الإسلام في المدارس العامة والجيش والسجون، وما إلى ذلك. وتكمن المشكلة في أن المنظمات التي يُعهد إليها منذ زمن بعيد بتوفير جميع هذه الخدمات هي منظمات «إخوانية» في الأساس حسب الدراسة، فالنتائج التي لا مناص منها هي أنّ الأفراد الذين يتبنون مواقف متطرفة وضد قيم المجتمع النمساوي يتولون تعليم الإسلام لشباب المسلمين النمساويين في المدارس أو يخدمون كمرشدين دينيين في المساجد والسجون. ومع ظهور قضايا متعددة تخص التطرّف وتمويله، أصبحت أقسام من المؤسسة الأمنية النمساوية قلقة حول الوضع و«ما يثير الاهتمام هو أن العديد من الشكاوى حول تطرف المنظمات الإسلامية النمساوية أتت من اللاجئين الجدد الذين صدمتهم رؤية هذا النوع من الإسلام مروجاً من قبل منظمات نمساوية واعتبروها أكثر تطرفاً من المنظمات العاملة في بلدانهم الأم». وطالما صرحت القوى الأمنية النمساوية بأن «النظام السياسي الذي يسعى إليه الإخوان المسلمون هو شبيه بالنظام الاستبدادي الذي لا يضمن سيادة الشعب ولا قيم الحرية والمساواة، وهذا الموقف الأصولي لا يتماشى مع التقاليد القانونية والاجتماعية لجمهورية النمسا». ويرى لورينزو فيدينو أن نشر هذا التقرير هو خطوة أولى من مجموعة خطوات من المفترض أن تقود إلى إعادة تقييم العلاقة بين الحكومة النمساوية والإسلام السياسي. ويقول الباحث: «هناك وعي متنامٍ حول التأثير المنتشر للمنظمات الإسلاموية التي توثر سلباً على اندماج المسلمين في المجتمع النمساوي ودورها في تطرف بعض المسلمين هناك. إنّ إعادة التقييم هذا ولحسن الحظ لا ترافقها مشاعر معادية للإسلام، حيث إنّ هناك استيعاباً تاماً للفرق بين من هو مسلم ومن هو إسلامي». ويؤكد صاحب الدراسة أنه يصعب القول إلى أي مدى ستمضي النمسا في هذا التوجه، وإذا ما كانت دول غربية أخرى ستواصل نهج إعادة تقييم علاقتها بـ «الإخوان المسلمين» فـ«في النمسا سيعتمد الكثير على نتائج الانتخابات التي ستجري في الأسابيع القليلة القادمة»، ولكن هناك دوراً يمكن أن تؤديهِ البلدان العربية، وذلك من خلال تقديم الأدلة والأطر التحليلية لنظرائهم في الغرب لأجل فك شفرة التهديد الذي يشكلهُ «الإخوان المسلمون».