تستحوذ الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في العالم العربي على اهتمام شعوبها ودولها والدول أصحاب المصالح هناك ومعظمها من الدول الكبرى. فلا نستطيع تجاهل الأزمة التي افتعلها نظام الحكم في قطر مع كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية ودعم ذلك النظام لجماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية إضافة للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة التمدد الإيراني في اليمن وإعادة الشرعية له، بجانب الصراع الدائر في سوريا بين نظام الحكم والجماعات السورية التي تطالب بتنحي «بشار الأسد» وترسيخ الديمقراطية في سوريا. كما تبرز الأحداث العسكرية في العراق والصراع ضد تنظيم "داعش" الإرهابي ومحاولة بغداد إثناء إقليم كردستان عن تنظيم استفتاء لانفصال الإقليم عن العراق، إضافة إلى إجراءات «الحكومة الإسرائيلية» ضد الشعب الفلسطيني في القدس ومواجهات القاهرة للجماعات الإرهابية المسلحة والصراع الدائر منذ سنوات في ليبيا. ولكن يجب ملاحظة أن هناك منطقة أخرى تشهد «حربا باردة» منذ عقود وتخشى العديد من الدول أن تكون شرارة اندلاع الحرب العالمية الثالثة، وهي شبه الجزيرة الكورية. فالحرب بين الشطرين الشمالي والجنوبي لشبه الجزيرة والتي وضعت أوزارها عام 1953 لم تشهد مطلقاً توقيع معاهدة سلام بين الدولتين، ولذلك فهما ما زالا في «حالة حرب» منذ عام 1950. وتاريخ ذلك يعود إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت تقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى جزأين شمالي وجنوبي بناء على اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية و«الاتحاد السوفييتي» السابق يقضي بوجود القوات الكورية الموالية لهما خلف خط عرض 38. ولكن القيادة في الجزء الشمالي أعلنت الحرب على الجزء الجنوبي في 25 يونيو 1950 وتحركت بقواتها بهدف توحيد الشطرين تحت حكم الشمال، ثم تطورت الأمور سريعاً بدخول قوات أممية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لدعم «سيول» في وجه «بيونج يانج»، التي تلقت دعماً كاملاً من الصين وجزئيا من «الاتحاد السوفييتي» السابق. وانتهت الحرب بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين كافة الأطراف في 27‏? ?يوليو 1953مما ?رسخ ?فعلياً ?تقسيم ?شبه ?الجزيرة ?الكورية. ومنذ عام 1953 والأوضاع لم تهدأ بين الشطرين الشمالي والجنوبي، والسبب المعلن لذلك هو تذمر واعتراض كوريا الشمالية على وجود القوات العسكرية الأميركية في كوريا الجنوبية، والتي تقوم بمناورات تراها «بيونج يانج» تمثل خطراً استراتيجياً عليها. ولذلك تستمر كوريا الشمالية في نهج سلوك استفزازي، إزاء الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، وذلك عن طريق إجراء تجارب لصواريخ باليستية والادعاء بامتلاكها أسلحة نووية. ولكن السبب الحقيقي، برأيي، يكمن في رغبة كل من روسيا والصين في دعم كوريا الشمالية كأداة تهديد ومصدر إزعاج مستمر للولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية واليابان. ولقد كنت مؤخراً في كوريا الجنوبية، ولاحظت مدى ضعف اهتمام المواطن الكوري العادي بما يحدث من كوريا الشمالية، وعندما تحدثت مع بعض المواطنين هناك كانت إجابتهم أنهم يسمعون تهديدات بيونج يانج خلال العقود الماضية، ولكن دون أفعال حقيقية. ولذلك لم يستسلم شعب كوريا الجنوبية للمخاطر والتهديدات اليومية من الجارة الشمالية منذ ما يزيد على سبعة عقود واستطاع بناء دولة حديثة، واقتصاد يحتل المركز الخامس عشر عالمياً، وفق الناتج المحلي، وأن يقبع ضمن مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، وهي معجزة يؤمن بها شعب كوريا الجنوبية، ويطلق عليها اسم «معجزة نهر الهان». وفي المقابل تظل كوريا الشمالية واحدة من أفقر الدول وأقلها تطوراً. وتلك رسالة واضحة لمن يشهر السلاح في وجه جيرانه، ويهددهم باستمرار في الوقت الذي يرفع فيه جاره راية التقدم والازدهار والبناء والأمن والأمان لمواطنيه.