بعد أن اختبرت كوريا الشمالية ما زعمت أنه قنبلة هيدروجينية، تركز الانتباه العالمي من جديد على رغبة بيونج يانج التي لا تكل فيما يبدو لامتلاك قدرات نووية. ورد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هذا بتوبيخ سيئول على «استرضائها» لبيونج يانج. وهدد وزير الدفاع جيم ماتيس بـ«رد عسكري هائل». ولكن النجاح في منع تصاعد الأوضاع يتطلب دبلوماسية حذرة وليس عملاً عسكرياً غير محسوب العواقب. فبعض الدول تسعى للحصول على الأسلحة النووية لعدة أسباب، منها تحقيق الأمن القومي، والرغبة في إظهار «العظمة». والرد على خطر الانتشار النووي هذا عملية صعبة تعتمد على حسابات حذرة وبراجماتية. ولم يدرك الزعماء الأميركيون السابقون فحسب رد الفعل الشعبي السلبي الذي قد يصاحب الأعمال العسكرية كرد على الانتشار النووي بل أدركوا أيضاً أن التدخل العسكري قد يعزز إصرار دولة ما على الحصول على الأسلحة النووية أو قد يؤدي إلى حرب كبيرة. ونتيجة لهذا، دارت سياسة عدم الانتشار منذ عام 1945 إلى حد كبير حول الدبلوماسية والإقناع والإجبار وليس المواجهة العسكرية المباشرة. وعلى رغم أن هذا النهج لم يمنع دولاً صاعدة من امتلاك قدرات نووية، إلا أنه أسهم في منع التوسع الكبير في عدد الدول النووية، وساعد أيضاً في اندماج دول معينة في المجتمع الدولي. وقبل نصف قرن من القلق الدولي من القدرات النووية لبيونج يانج، كان العالم يخشى أيضاً القدرات النووية الكامنة للصين. وفي ستينيات القرن الماضي، كان هنالك انطباع بأن وجود قنبلة صينية يهدد المصالح الحيوية الأميركية في اليابان، ويقيد مجال المناورات الأميركية في وقت كانت فيه آسيا ساحة أساسية للحرب الباردة. وقد فكرت إداراتا كيندي وجونسون في القيام بعمل استباقي لوقف برنامج بكين النووي. ولكن مخاطر الدخول في حرب مع الصين تفوقت في نهاية المطاف على خيار السماح لها ببساطة بأن تصبح دولة نووية. وبذلك كانت الاستراتيجية أكثر براجماتية. وقد أصبح العمل العسكري ينظر إليه باعتباره أمراً محفوفاً بالمخاطر دولياً، وربما هو غير ضروري أيضاً، وقد يتسبب في مشاكل في الداخل. وبمجرد أن تم الاعتراف بالوضع النووي للصين في عام 1964، أصبح هذا جزءاً من عملية حولت دولة كان متعذراً، ذات يوم، التواصل معها دبلوماسياً -فيما يشبه حالة كوريا الشمالية الآن- إلى دولة داخل فاعلة في منظومة المجتمع الدولي. وشعور الصين هذا بالأمن، سمح لها بأن تتوخى الحذر بشكل أكبر في السياسة الخارجية، وتبدي رغبة في التفاوض مع القوى الغربية. وفي عهد إدارة جيمي كارتر، كانت باكستان تمثل أكبر مشاكل انتشار الأسلحة النووية حينئذ. فقد وضع كارتر في تعامله مع مشكلة باكستان نهجاً اتبعه من خلفوه في البيت الأبيض، من كلا الحزبين، في الاستجابة للدول المصرة على الحصول على قدرات نووية. وقد أصابت إدارة كارتر حين خلصت إلى أنه لا المناشدة ولا العصا ولا الجزرة ولا الدبلوماسية ستوقف مسعى إسلام آباد لامتلاك «القنبلة». ووجد مستشارو كارتر في منتصف عام 1979 أن أفضل وسيلة هي تخفيف أسوأ التأثيرات لامتلاك باكستان للأسلحة النووية مع المحافظة على الاقتناع الدولي بكفاءة سياسة عدم الانتشار الأميركية. وقد أعطى الدبلوماسيون الأميركيون أولوية لتأجيل عملية حصول باكستان على أسلحة نووية في نهاية المطاف بأكبر قدر ممكن مع الاحتفاظ بإسلام آباد كحليف إقليمي مهم. وأدركت إدارة كارتر أن مجرد الإشارة إلى عمل عسكري قد تؤدي إلى تعطيل الجهود الصادقة لعدم الانتشار النووي. وحافظ الرئيس رونالد ريجان أيضاً على رغم اختلافه الإيديولوجي عن سلفه على نهج التهدئة الذي اتبعه كارتر. وفي ثمانينيات القرن الماضي استرعى العراق أيضاً انتباه الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بسبب تصاعد قدراته النووية. وضربت إسرائيل في يوليو عام 1981 المنشآت النووية العراقية، ولكن هذه الضربة لم تفلح في وقف البرنامج النووي العراقي. وأظهر بحث في الآونة الأخيرة أن الضربة الإسرائيلية حفزت في الواقع الجهود العراقية لتعزيز الموارد المتاحة للبرنامج النووي. وكذلك اتبعت أيضاً إدارة أوباما سياسة المفاوضات البراجماتية والدبلوماسية. فعلى رغم دعوات الخصوم السياسيين في الداخل، والمحافظين في الخارج، إلى عمل عسكري ضد إيران، فقد فضلت الإدارة خيار التواصل الدبلوماسي بالتوافق مع الحلفاء. وأثمرت هذه السياسة نتائج. فقد تم تفكيك برنامج إيران إلى حد كبير، وطهران قد تعود إلى الاندماج في التيار الدولي العام. وفي المجمل فإن التاريخ الأميركي في التعامل مع الانتشار النووي يظهر أن الامتناع عن استخدام القوة، وإعطاء الدبلوماسية اليد الطولى، كانا دائماً من العناصر المحورية في السياسات الأميركية الرامية لمنع الانتشار النووي. مالكوم كريج: محاضر بجامعة ليفربول جون مورز في بريطانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»