على الرغم من كثرة التحديات الراهنة التي تواجه البيت الأبيض والكونجرس، أضاف الرئيس دونالد ترامب أيضاً تحدّياً آخر جديداً خلال الأسبوع الماضي، عندما طلب من وزارة العدل إلغاء برنامج «الإجراء المؤجل بحق القادمين في مرحلة الطفولة المعروف بـ«داكا». وعندما دشّن الرئيس السابق أوباما برنامج «داكا» في عام 2012، فعل ذلك بسبب خيبة الأمل من عجز الكونجرس عن تمرير قانون هجرة شامل يعالج مأساة زهاء 11 مليون مهاجر لا يحملون وثائق ثبوتية، ويعيشون ويعملون على الأراضي الأميركية. وكان لدى أوباما اهتمام خاص بالشباب، الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة مع والديهم، وعاشوا لسنوات طويلة، والتحقوا بالمدارس أو خاضوا غمار العمل أو انضموا إلى الجيش الأميركي، ولم يعرفوا دولة أخرى سوى أميركا، ولكنهم لا يحملون وثائق ثبوتية، وبالتالي فهم عرضة للترحيل في أي وقت. ومن ثم، وضع أوباما برنامج «داكا»، الذي يمنح أولئك الشباب فرصة لجعل حياتهم طبيعية، ويسمح لهم بالحصول على تصاريح عمل وملاذ آمن من الترحيل. وللتأهل إلى برنامج «داكا»، لابد أن تنطبق شروط خاصة على المسجلين، ومن بينها أن تكون أعمارهم عندما دخلوا الولايات المتحدة أقل من 16 عاماً، وأقل من 31 في العام الذي شهد إطلاق البرنامج، وليس لديهم أي سجل إجرامي. ويتعين عليهم أيضاً إثبات أنهم كانوا يعملون أو ملتحقين بالمدارس أو يخدمون في الجيش. وقد تقدم زهاء 800 ألف شخص بطلبات، ومعظمهم كانوا مؤهلين. وكان الجميع يعلمون أن البرنامج ليس سوى حل مؤقت، ولكن في ضوء إخفاق الكونجرس في أن يضع حلاً منطقياً لوضع الأشخاص الذين لا يحملون وثائق، فقد أفاد ذلك الحل ملهوفين كثيرين كانوا يعيشون في خوف. وقد أدان «الجمهوريون» فوراً قانون «داكا» ووصفوه بأنه «تجاوز غير دستوري»، وتعهدوا بإبطاله. وكان من أشد خصوم البرنامج «جيف سيشنز»، الذي كان آنذاك عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، ويشغل حالياً منصب المدعي العام. ومن خلال تصريحاته العامة بشأن الهجرة، بدا أن ترامب متذبذب بدرجة ما بشأن ذلك الأمر، فقد اتهم أوباما أيضاً بالتجاوز، وكال الاتهامات لـ«المهاجرين غير الشرعيين». وفي الوقت ذاته، أعرب عن تعاطفه مع الشباب الذين يجدون أنفسهم في تلك المعضلة. وتؤكد الإجراءات التي اتخذها الأسبوع الماضي لنا ذلك التذبذب. فقد أمر وزارة العدل بإعلان تعليق برنامج «داكا»، ولكنه منح مهلة ستة أشهر قبل إنهائه، مانحاً الكونجرس، حسب قوله، ذلك الوقت الطويل لتشريع حلّ. والمشكلة فيما فعله ترامب أنه لم يكن ضرورياً ولا واقعياً، بل إنه أفضى إلى اضطراب في صفوف مئات الآلاف من الشباب الذين أضحى الآن مصيرهم معلقاً. ولم يكن ذلك ضرورياً لأنه لم يكن ينبغي أن يحدث، في ضوء مواجهة الكونجرس لكثير من التحديات الملحة، من تمرير الموازنة، وتمديد سقف الدَّين، والتوصل إلى اتفاق بشأن الإصلاح الضريبي وإصلاح الرعاية الصحية، والتعامل مع الأزمات المكلفة التي حملها موسم الأعاصير خلال العام الجاري، ولم يزد تعليق «داكا» سوى عبء آخر على كاهل الأجندة التشريعية التي تنوء بالأعباء. ومن غير الواقعي أن نتصور أن الكونجرس ذاته، الذي عجز عن تمرير أي قانون ذي مغزى خلال العام الجاري سيجد حلاً يتفق عليه في غضون الأشهر الستة المقبلة حول القضية العويصة «إصلاح الهجرة» التي أخفق في حلها على مدار أكثر من عقد. ولذا، يُسبب القرار اضطراباً بين المستفيدين من «داكا»، الذين يجدون أنفسهم مرة أخرى يواجهون مستقبلاً غامضاً. وكدليل على صعوبة حل تلك القضية بالنسبة للكونجرس المنقسم، بدأ بعض «الجمهوريين» يقترحون الآن على زملائهم «الديمقراطيين» إمكانية تأييد قانون لتسوية أوضاع المستفيدين من «داكا»، إذا وافق «الديمقراطيون» على تأييد جهودهم الرامية إلى تقليص إجمالي أعداد المهاجرين الذين يتم السماح لهم بدخول الولايات المتحدة سنوياً إلى النصف، وتأييد تمويل الجدار الذي يأمل ترامب في بنائه بين المكسيك والولايات المتحدة. وبالطبع، اعتبر «الديمقراطيون» أنه من غير الأخلاقي استغلال مستقبل أولئك الشباب كورقة مساومة، ويرون أن الخيارين غير ملائمين. وهناك مشروع قانون تقدم به عضوا مجلس الشيوخ «الجمهوري» ليندسي جراهام و«الديمقراطي» ريتشارد دوربين، يتناول قضية أولئك الشباب بمنأى عن القضايا الأخرى. وتشريعهما المقترح هو نسخة محدّثة من قانون «دريم»، وهو عبارة عن محاولة لتسوية أوضاعهم طُرحت من قبل ولكنها فشلت في تجاوز غرفتي الكونجرس. والحقيقة هي أن أولئك الشباب يستحقون أفضل من أن يتم التعامل معهم على أنهم ورقة مساومة، ويستحقون أن نرى الكونجرس يتبنى في نهاية المطاف قانوناً مسؤولاً ورحيماً لإصلاح شامل للهجرة. وإذا فشل الكونجرس مرة أخرى في أداء واجبه، فعلى ترامب أن يلغي أمره ويعيد العمل بـ«داكا»، وإن كان «يحب أولئك الشباب»، كما يقول، فإبقاؤهم في الولايات المتحدة هو أفضل طريقة للتعبير عن حبه لهم، وليس جعلهم رهينة لعملية سياسية معطوبة.