كثيرة هي الدول العربية التي أهملت التربية والتعليم ردحاً من الزمن، ونتج عن ذلك جيل من أبناء العرب يعانون نقصاً معرفياً وخللاً فكرياً، تجسد في الكثير من الظواهر التي تمر بها الأمة العربية في الوقت المعاصر. سعادتي لا يمكن وصفها وأنا أشارك في ندوة «التعليم والتطرف والإرهاب»، التي نظمها، بكل تميز، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية خلال الأسبوع المنصرم، فقد وضع المركز أصبعه على بيت الداء ومنزل الدواء، إنها التربية والتعليم تلك المؤسسة التي إن اهتمت بها الدول وهيأت لها سبل نجاحها كانت محضناً آمناً لجيل المستقبل تعده للنجاح والتميز، وإن تم إهمال تلك المؤسسة كعادة الكثير من العرب تخرج من المدرسة جيل من السهل اقتناصه واستثماره لهدم وطنه وأمته. ومن لا يؤمن بدور التربية في بناء الحضارات عليه مراجعة تاريخ اليابان المعاصر وكيف تمكنت المدرسة اليابانية من نقل الشعب الياباني من مجتمع شرس، خاض الكثير من الحروب، إلى أمة مسالمة تبني ولا تهدم، تشارك العالم أفضل إنجازاته، فهل نقر بأهمية التربية والتعليم في المجتمع العربي، كي نتمكن كعرب من النهوض بعد السقوط. لعلي ألخص لكم بعض أفضل ما تم رصده في تلك الندوة، معالي حسين الحمادي وزير التربية والتعليم يرى «أن منظومة القيم والتوجهات والأفكار التي تحتوي عليها منظومة التعليم بكل مراحله في أي مجتمع من المجتمعات، هي التي ترسم مستقبل هذا المجتمع»، وكي لا تكون الندوة تنظيرية خالية من التجارب الواقعية، تم استعراض تجربتين عربيتين مؤلمتين. دولتان كادت تمزقهما براثن التطرف والطائفية لولا لطف الأقدار بهما هما مصر والبحرين. ففي مداخلته خلال الندوة قال معالي الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، في جمهورية مصر «يعيش العالم وأمتنا العربية أوقاتاً صعبة وتواجه تحديات كبرى متعلقة بالتطرف والإرهاب، مما يدفعنا إلى ضرورة دراسة دوافع وأسباب هذه الظواهر وكيفية علاجها». وكم ذُهل الحضور بمشاهد تعطيل المدرسة البحرينية، والزج بها في أتون الهدم لا البناء في أحداث 2011 عندما شاركنا بالصور والأفلام الوثائقية معالي الدكتور ماجد بن علي النعيمي، وزير التربية والتعليم، في البحرين، لإثبات أن الفوضى الخلاقة لها براثنها التي تدرك دور المدرسة وطرح معاليه نماذج للعلاج تمثلت في استحداث مشروع «المدرسة المعززة للمواطنة وحقوق الإنسان». وبعد استعراض تلك التجارب تمت مناقشة العديد من الأفكار الإجرائية للخروج من هذه الدوامة، فقد شارك الأخ مقصود كروز المدير التنفيذي لمركز هداية بطرح فكرة مكافحة التطرف بنشر ثقافة «التفكير الإيجابي» وتعزيزها، وفي دراستها المتعمقة للظاهرة قالت د. كريمة المزروعي: من المفيد لنا في هذه المرحلة أن نتعلم من أفضل الممارسات التي نجحت في مجال مكافحة التطرف في دول أخرى مثل الإشراف على أنشطة ما بعد المدرسة، وتطوير المهارات الاجتماعية لدى الطلبة، ومن بحثي في الندوة أشارككم بفكرتين هما تحويل مادة التربية الإسلامية إلى مادة تزكية للأخلاق وغرس معاني الوسطية، وتنقية مادة التاريخ من الشوائب التي اختصرت تاريخ الأمة العربية في الغزوات والحروب والانقلابات، والحضارة العربية الإسلامية لديها تاريخ ناصع من الإنجازات. وفي كلمته الختامية ركز سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي على التربية الأخلاقية ذلك المنهج الذي من شأنه ترسيخ الجانب القيمي مع الجانب التعليمي، فتنشأ أجيال تمتلك القيم والأخلاق العالية إلى جانب العلم والمعرفة، ما يصب في بناء مجتمع يمتلك جبهة داخلية صلبة عصية على الاختراق.