تعتبر مشكلة الأقليات من أهم القضايا التي تعيق عملية التنمية والاستقرار في دول العالم الثالث، فهذا الموضوع شائك ومعقد لارتباطه بتكوين الدول وحساسية كل دولة وخوفها من مواجهتها به. والنموذج على هذه المشكلة هو ما يحصل اليوم في ميانمار (بورما سابقاً)، حيث تجري جرائم بشعة وتصفيات جسدية ضد الأقلية الروهنجية المسلمة هناك. النظام العسكري في هذا البلد ركز هجومه وتعسفه واضطهاده ضد الأقلية المسلمة (الروهينجا)، وهي طائفة يبلغ عددها نحو مليون نسمة، تعيش في ولاية راخين الساحلية في الغرب. هذه الأقلية الفقيرة المسلمة محرومة من الجنسية، ومن حق ملكية الأرض، وحق التصويت في الانتخابات العامة، وحتى من حق السفر.. لذلك فهي تعاني من «العبودية» على يد الجيش، مما دفع مئات الآلاف منها للهرب إلى تايلاند أو نبجلاديش التي يرتبطون بها عرقياً. السلطات البنجالية تجبر الروهنجيين على العودة إلى بلادهم، بسبب محدودية إمكانيات بنجلاديش وعدم استطاعتها استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين الفقراء. والمصيبة أن النظام العسكري في ميانمار وضع ألغاماً أرضية على طول حدوده لمنع عودة اللاجئين إلى بلدهم. موقع هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) نشر تقريراً مطولاً عن هذا الموضوع، وأوضح أن جمهورية ميانمار تتكون من عدة مقاطعات تقطنها أقليات أشهرها الروهينجا المسلمة، أما الأقلية الثانية، فهي «الكاريني» الذين يعيشون في ولاية كايان الفقيرة، ويتعرضون هم كذلك لعمليات تهجير من طرف الجيش الذي يحاول السيطرة على المنطقة لغناها بالموارد الطبيعية. أما الأقلية الثالثة فهي «الكاشين» وأصولها من التبت، ويعتنق أفرادها المسيحية، ولديها فصيل مسلح هو «جبهة تحرير كاشين»، وقد دخل مؤخراً في اتفاق لوقف لإطلاق النار. الأقلية الرابعة هي «تشين» البالغ عددها 1.5 مليون نسمة يعيشون في ولاية تشين على الحدود الهندية، وهم مسيحيون ويتعرضون للاضطهاد على يد السلطات. الأقلية الخامسة هي «الشان»، وهي أكبر الأقليات حجماً، وتعيش في الوسط وأغلبها بوذيون. أما الأقلية السادسة فهي «المون»، وهم أقدم الأقليات وقد جلبوا البوذية للبلاد ويتركزون في الجنوب. وأخيراً الأقلية السابعة، وهي الراخين الذين يعيشون في ولاية الراخين في غرب البلاد، ويمثلون 5% من سكان ميانمار، وهم بوذيون، وفي إقليمهم تتم مطاردة المسلمين وقتلهم. القضية في ميانمار ليست خاصة بالمسلمين فقط، فوضع المسلمين جزء لا يتجزأ من الوضع المأسوي لهذه البلاد، حيث توجد عدة حركات عسكرية انفصالية، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة حركة مسلحة باسم الأقليمة المسلمة. والمشكلة أنه بالنسبة للروهينجا أن لا دولة تريد إيواءهم، ورغم كونهم أكثر شعوب العالم تعرضاً للاضطهاد، فلا توجد قوة كبرى صديقة لهم في هذا العالم. بعض القادة المسلمين، منهم الرئيس التركي والأندونيسي، طرحوا فكرة التوسط لحل مشكلة الروهينجا سلماً، لكن تم رفض وساطتهما. بيد أن الحل يكمن في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لأنها قضية إنسانية، ولا يجوز في هذا العصر قتل الأقليات فقط لأن أشخاصها بسطاء وفقراء، والمطلوب هو تدخل إنساني يأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان في هذا البلد المنكوب.