يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي رغم مساوئها واحتوائها على الغث والسمين، أسهمت إلى حد كبير في رفع درجة الوعي لدى عامة الناس خلال السنوات الماضية، كما كشفت حقيقة بعض المشاهير الذين بلغوا مرتبة النجومية باستثمار الخطاب الديني، وتحويله إلى بضاعة للمتاجرة، واستقطاب الجمهور، والحصول على مكاسب وعقود مع وسائل الإعلام ومؤسسات الترويج والإعلان. ارتفاع نسبة الوعي، ومقدرة الجمهور على التمييز بين الزائف والحقيقي، أوقع بعض المتاجرين بالدين في ورطة الانكشاف وظهورهم على حقيقتهم، ووضعهم في مأزق حرج، وعلى رأسهم صاحب دعاء «الفولورز». ودعاء «الفولورز» أسلوب جديد ومضحك ابتكره الداعية المصري «الاستايل» عمرو خالد في موسم الحج الأخير، وأثار سخرية الجمهور ووضعه في موقف محرج للغاية، لأنه كشف عن نهمه الشديد لإرضاء متابعيه، وخداع الناس باستخدام الدين والأدعية التي يتصنع فيها الورع، ويرسم على وجهه بافتعال واضح ملامح التقوى والخشوع. حيث أدار ظهره للكعبة المشرفة، وعندما بدأ التصوير رفع يديه وشرع في الدعاء الذي خص به متابعي صفحته على «فيسبوك»؛ فكانت حركة مسرحية بامتياز، لدرجة أن كثيرين قاموا بتهنئته على إجادة التمثيل والاندماج في الدور الذي قام به أثناء شعائر الحج، التي يفترض أن تكون منزهة عن الطمع في الحصول على إعجابات الجمهور الافتراضي على الإنترنت. لكن حب الظهور دفعه إلى استخدام تقنية البث المباشر على الإنترنت، وتصور أن ظهوره أثناء أجواء الحج الروحانية، ودعاءه الموجه لجمهوره سوف يرفع مكانته ويزيد من عدد متابعيه، وما حدث بعد ذلك هو العكس تماماً، كما لم ينجح في التسجيل المرئي الذي نشره بعد السخرية الواسعة التي شنها الجمهور ضده في أن يستعيد شعبيته التي انهارت، فتهشمت صورة متاجر آخر بالدين، كان يمثل حلقة من حلقات تهيئة الشباب للتطرف بأسلوب غير مباشر، فهو لا يختلف عن غيره من المتاجرين بالدين، إلا في المظهر والشكل، والأسلوب الذي يستعرض من خلاله محفوظاته المكررة، التي يجتزئها من كتب التراث، ثم يقوم بتعليبها في برامج تجارية تتخللها إعلانات لسلع استهلاكية، وكل همه أن يحتفظ بجمهور واسع، بدليل أنه تباهى في سياق رده على منتقديه أن عدد متابعيه على صفحته بالملايين! لقد حاول في يأس وإحباط التبرير والدفاع عن فعلته، وعن سلوكه العجيب أثناء مشاعر الحج، بظهوره منشغلاً عن أداء المناسك بجمهوره ومتابعيه، ولم يقدم أي توضيح مقنع، بل كشف عن نرجستيه بصورة واضحة، حيث استخدم لفظة «أنا» عشرات المرات، وحاول مجدداً تسويق الوهم والادعاء بأنه يخدم الإسلام، واستعرض بأسلوب إعلاني برامجه القادمة. لكن الجمهور الواعي لم يسكت بعد متابعة مشهد الدعاء المسرحي في موسم الحج، ولم يتركوه يمر من دون تعليقات ساخرة وناقدة بسخط، وأعلن الكثيرون في تعليقاتهم على صفحة الداعية ندمهم على الإعجاب سابقاً بشخصيته وبما كان يقدمه، بعد أن اتضح أن مسحة الخشوع التي اصطنعها في مشهد دعاء «الفولورز» هي الابتسامات ذاتها التي يتصنعها في برامجه التليفزيونية، لكن البث المباشر أظهرها بشكل أوضح، لأن ملامحه ظهرت جامدة وعابسة ثم تغيرت فجأة، وارتدى قناع الخشوع عندما أدرك بعد ثوانٍ أن التصوير قد بدأ، فاستخدم موهبته التمثيلية، ودعا لمتابعيه بذلك الأسلوب الذي تحول إلى نكتة الموسم لهذا العام. إلى وقت قريب كان ذلك الداعية شخصية مقدسة في نظر البعض، ويصعب انتقاده أو التشكيك في أسلوبه التجاري الذي يخاطب قطاعات واسعة من الشباب والعوام عبر شاشات التلفزيون وفي قاعات المحاضرات التي يلقيها، ويحتشد لأجله المئات وأحياناً الآلاف. بينما يدخل الجمهور الآن على صفحته ويخبرونه أنه متاجر بالدين، ويعبرون عن ندمهم عندما كانوا يستمعون لمحاضراته السطحية. وهذا التحول يبعث على التفاؤل بتغير وعي الأجيال الجديدة وقدرتها على كشف المخادعين وأدعياء الورع والإيمان. لا أحد يرغب في أن تهتز صورة رجل الدين، لكن هذا الداعية وأمثاله يستخدمون الإرشاد الديني لأهداف غير بريئة، بحيث تحول الوعظ على أيديهم إلى مشروع شخصي مربح. ولا يمكن تجديد الخطاب الديني بانتقاء القصص من كتب التراث، كما يفعل هواة النجومية والشهرة على حساب عقول البسطاء المتلهفين لخطاب الاستنارة الغائب.