يتسم السباق الرئيسي في الانتخابات الألمانية القادمة، بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة مارتن شولتز، بغياب أجواء الدسائس والمؤامرات والتشويق. ونفس الأمر ينطبق أيضاً على السباق المحموم بين الأحزاب الصغيرة التي تتنافس على المركز الثالث. وإلى جانب الحزبين الكبيرين، فهذه الأحزاب في سباق حقيقي مباشر أيضاً ستحدد نتائجه شكل الحكومة القادمة. والمناظرات التي أجريت يوم الاثنين بين زعماء هذه الأحزاب الصغيرة -حزب «داي لينك» اليساري، وحزب الخضر وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا، والحزب الديمقراطي الليبرالي الحر، وحزب البديل من أجل ألمانيا- أظهرت أن الخيارات لتشكيل ائتلاف حاكم فعال بعد الانتخابات محدودة للغاية. وفي الظاهر، تشبه هذه التشكيلة المناظرات الأميركية التي جرت بين المرشحين الجمهوريين الأقل شعبية خلال موسم الانتخابات الرئاسية التمهيدية في العام الماضي -عرض للمدمنين السياسيين يضم سياسيين ملونين بدون فرصة في نيل السلطة الحقيقية. ولكن في ألمانيا 2017، فسجالات هذه الأحزاب السياسية لا تبدو عرضاً جانبياً. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة أنباء «إينسا» وصدر يوم الاثنين، بعد المناظرة الرئيسة التي جرت بين ميركل وشولتز، تراجع شعبية كل من الحزبين الرئيسين قليلاً مقارنة بالاستطلاعات السابقة، التي أجريت في أواخر شهر أغسطس، حيث فقدت هذه الأحزاب نقاطاً لصالح الحزب الديمقراطي الحر «إف دي بي» وحزب البديل من أجل ألمانيا «إيه إف دي». وبدون الخوض كثيراً في هذه التقلبات، يمكن للمرء أن يرى كيف أن أسلوب حملة ميركل الآمن والمطمئن والباهت قد يثير بعض الناخبين لاتخاذ مواقف أقوى مما يؤدي لهزيمتها، كما يحدث في البلدان الأخرى. إن الأحزاب الصغيرة في ألمانيا مختلفة عن تلك الرزينة نسبية التي تنتمي إليها ميركل وشولتز. إنها ليست «ألمانيا التي نعيش فيها بشكل جيد ونحب العيش فيها» والتي يناشدها شعار حملة ميركل، بل هذه أصغر كثيراً (40% من ناخبي البلاد)، ومنقسمة بشكل مرير، وغير راضية عن الطريقة التي تُحكَم بها. ويشبه القتال من أجل الأصوات فيها التنافس في انتخابات هولندية تنادي بالحرية للجميع أكثر من كونها انتخابات ألمانية هادئة، ومن ثم فإن حملاتها تتطلب مهارات خاصة ومستويات من الطاقة. ولذلك ففي مناظرة يوم الاثنين، كان هناك الكثير من المشاحنات الشخصية الدرامية التي تزعج المشاهدين. وقد هاجمت كل من «سارة واجنكشت»، زعيمة حزب «داي لينك» و«أليس ويدل»، مرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا، بعضهما بعضاً حول الهجرة. أما «كريستيان ليندنر» من حزب «إف دي بي» و«سيم أوزديمير» من حزب الخضر، فقد اشتبكا بصوت عال حول ملف الأسلحة النووية الأميركية، التي يريد حزب الخضر إخراجها من ألمانيا، بينما يعتبرها «إف دي بي» ضرورية لأمن البلاد. بيد أن ميركل هي التي من المرجح أن تشكل الحكومة الألمانية القادمة، ولا شيء يمكن أن يمنع حزب شولتز أيضاً من الحصول على المركز الثاني. ولذا، فإن الأمر الأكثر تسلية هو أن دور هؤلاء السياسيين الآخرين محصور في ترجيح أية كفة ائتلافية. ويعد حزب البديل من أجل ألمانيا هو الاستثناء. فلن يقترب منه أي حزب ألماني آخر لأن بعضا من أبرز أعضائه من المنكرين لمحرقة الهولوكوست. إنه فقط يخوض اللعبة من أجل نفسه: وكلما كان أداؤه أفضل، سيتعين على الحكومة القادمة أن تكون أكثر صرامة بشأن الهجرة، وهو الأمر الذي علمه القوميون الهولنديون لجيرانهم الأوروبيين الآخرين. بيد أن الأحزاب الصغيرة الأخرى متنافسة محتملة في الائتلاف. وإذا فاز شولتز بنسبة تزيد على 30% -وفقاً لنتائج استطلاعات الرأي الحالية- فربما يشكل حكومة مع حزب «داي لينك» وحزب الخضر (وكل منهما بحاجة إلى تحقيق تقدم في نتائجه التي تظهرها استطلاعات الرأي الحالية، لجعل ذلك ممكنا). وربما ترغب ميركل، هي أيضاً، في العمل مع الحزب الديمقراطي الحر «إف دي بي»، كما يفعل حزبها تقليدياً، ولكن ائتلافاً كهذا يقتضي من طرفيه، وخاصة «إف دي بي» تحقيق أداء أقوى في يوم الانتخابات أكثر مما هو عليه الآن في استطلاعات الرأي الحالية. ومع ذلك، فإن تكوين ائتلاف ثلاثي الاتجاهات مع «إف دي بي» وحزب الخضر يبدو قابلاً للتشكل أيضاً على الفور وفقاً لما تظهره الأرقام. والمشكلة مع كل هذه الحسابات هي أنها تخمينات نظرية مجردة. واستناداً إلى مضمون المناظرة والخلافات الجوهرية التي أظهرتها، من الصعب تخيل أن يتوصل حزب الخضر لاتفاق مع «إف دي بي» أو حلفاء ميركل في الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أو حتى «داي لينك». وجلب سياسيين مثل «ليندر» و«أوزديمير» معاً للتفاوض على اتفاق بشأن الائتلاف سيكون مهمة مرهقة حتى بالنسبة لميركل، بموهبتها المعروفة في التوصل إلى حلول وسط غير عادية. وفي المجمل فعلى رغم أن هذه الانتخابات الألمانية تبدو مملة للمراقبين الخارجيين لافتقارها إلى عوامل الصراع والتشويق، فإن نتائجها ربما تكون هي الأكثر إثارة. * كاتب روسي مقيم في ألمانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»