حين مات آينشتاين كان طبيبه الخاص «توماس هارفي» ينتظر تلك اللحظة بلهفة، فقام بأكبر سرقة في تاريخ الطب، ففتح جمجمة آينشتاين وسرق الدماغ المبدع من دون موافقة الأهل أو إخبارهم، وبقي السر عنده فقط، ولم يصرح به إلا بعد مرور نصف قرن، وحين أفضى بالسر إلى حفيدته «إيفلين» رمقته، ورفضت أن تأخذ دماغ الجد، فما النفع به؟ كان هدف الدكتور هارفي ولم يكن مختصاً بأعصاب الدماغ أن مخ آينشتاين فيه سر العبقرية، ولذا قام مع فريق له بقطع الدماغ إلى 240 شريحة، ووزع قسماً منها على المخابر العلمية، من دون ذكر من صاحبها؟ عسى أن يهتدوا إلى سر العبقرية عند الرجل. حين كان أي مشرِّح يتلقى العينة، لم يميز فيها شيئاً واضحاً، باستثناء بعض المناطق القفوية، التي كانت تظهر مزيداً من التجعدات والالتواءات. أما الحجم والوزن فكان دون الطبيعي، فأين كان سر العبقرية عند الرجل؟ حين مات الطبيب هارفي العام 2007 تسلمت وريثة الطبيب دماغ العبقري ووضعته للدراسة في متحف الدواء والصحة العام 2010. ولكن قبل كل شيء لماذا أخذ آينشتاين لقب العبقري؟ والجواب أن هناك زوايا مفصلية في العلوم، تحقق قطيعة معرفية مع ما قبلها، وهذا بالضبط ما فعله آينشتاين مع فيزياء «نيوتن» التي سيطرت لقرنين وقالت بالزمان والمكان المطلقين ومبدأ حفظ المادة، فجاء آينشتاين بالنظرية النسبية الخاصة ثم العامة، ليحطم هذه المفاهيم المفصلية. فبعد آينشتاين ليس ثمة مكان مطلق وزمان مطلق مع السرعة، وحفظ للمادة كما في تحلل الراديوم. وفي مراجعة بسيطة لعمر الرجل نجد أنه بين عمر 16 و26 ركز على مفهوم الضوء، وكان يكرر ماذا يحدث لنا لو ركبنا شعاع الشمس؟ ومن مفهوم سرعة الضوء التي ليس بعدها سرعة (299,792,458) كم/‏‏ثانية فهمنا وقود الشمس ووصلنا إلى السلاح الذري من خلال علاقة المادة بالطاقة. وبين عمر 26 و36 ركز الرجل على الجاذبية، ففهمنا الثقوب السوداء وعرفنا فكرة الانفجار العظيم، وبقية حياته كرسها لدمج الطاقات الخمس وقوانين الوجود في منظور موحد لفهم كل حقيقة فلم يصل إليها. ولكن هل العبقرية في البناء المادي كما في الكمبيوتر؟ أم البرامج داخله؟ وحين يحاول «ميشيو كاكو» في كتابه «عقول المستقبل» أن يفهم الظاهرة يعزوها إلى أربعة أسباب بين التركيز النظري، فكان مختبره دماغه، والتركيز المديد على ظاهرة بعينها، بين شعاع الضوء والجاذبية والانفجار العظيم، تضاف إليها الحياة البوهيمية التي كان يعيشها، فتمرد على الفيزياء القديمة، ونجح في توليد الجديد. وفي النهاية العصر الذي عاش فيه الرجل، اقتطف خلاصة عصره، ونجح في دمج آراء أكثر من عالم مثل بوانكاريه ليضرب ضربته التاريخية، في توليد قوانين فوق عصره. وهو يذكر أيضاً بعظماء مثل ابن خلدون أيضاً الذي توج العصر بخلاصة نظريات من عاصروه وسبقوه. أما العنصر الرابع فهو شخصية الرجل ودأبه ولذا فلو قمنا باستنساخه من جديد وخرج فلن يكون آينشتاين الذي نعرفه. يقول آينشتاين إن كشف الحقيقة مرة واحدة غير كافٍ، فالحقيقة تشبه تمثال الرخام المنصوب في الرمال، والمهدد بالدفن في كل لحظة، وما يحافظ على لمعانه تحت الشمس هي الأيادي الدؤوبة النشيطة. وكان الرجل شاهداً عملياً على هذه الفكرة، فأصبح في الخالدين يحلق اسمه ويصمد عبر العصور.