ما هو القاسم المشترك بين حروب أميركا في فيتنام وأفغانستان والعراق؟ لعله كون القوة الأميركية العظمى لم تحقق انتصاراً حقيقياً في تلك الصراعات ضد أعداء بدوا أضعف منها. ومن القواسم المشتركة الأخرى في الحروب الثلاثة، أن وكالات المخابرات الأميركية، والمخططين للحروب، وصناع السياسات، أساؤوا تقدير القوة الدافعة للقومية. ورغم أن الأميركيين خاضوا الحرب في مواجهة الشيوعية والإرهاب وضد ديكتاتور زعموا أن بحوزته أسلحة نووية، إلا أن المقاتلين في تلك الدول شعروا بأنهم يدافعون عن أوطانهم في مواجهة دولة أجنبية غازية. وفي أذهانهم وأذهان كثيرين في مجتمعاتهم، كان هؤلاء المقاتلون وطنيين أولاً وأخيراً، وليسوا متمردين أو إرهابيين. وسوء فهم القومية وسوء تقديرها كدافع ومحفز للناس على القتل والموت في سبيل الدفاع عن أوطانهم لطالما كان خطأ أميركياً ولا يزال يتكرر حتى الآن. ولعل هذه النقطة العمياء لدى صناع السياسات الخارجية الأميركيين تبدو شائعة لدرجة أنها ليست مفاجأة. لكن المفاجئ هو تجاهل قوة القومية في المجتمعات الأخرى في ضوء النزعة القومية الشديدة داخل الولايات المتحدة. وتكشف القومية الأميركية عن نفسها بصورة مستمرة وفي أشكال شتى، من المزاعم الكثيرة بشأن «استثنائية» الأمة الأميركية إلى التبجيل الذي يظهره المواطنون الأميركيون لنجوم وخطوط علمهم. وذلك التبجيل مدون في «تعهد الولاء» الذي يردده طلاب المدارس والمسؤولون الحكوميون وكثير من الأميركيين في بداية التجمعات العامة. وبالطبع، الأميركيون ليسوا وحدهم من يوقرون علمهم، ففي كل مكان، تمثل الأعلام رمزاً قوياً للدولة، ومثلها وشعبها. وحول ذلك الموضوع يدور كتاب «علم يستحق التضحية من أجله: قوة وسياسة الرموز الوطنية»، للمؤلف «تيم مارشال»، وهو صحفي بريطاني، ومحرر دبلوماسي سابق في «سكاي نيوز» و«بي بي سي». ويتناول كتاب «مارشال» حقائق وغرائب عن الأعلام، فيقول مثلا: «إن أطول سارية علم في العالم توجد في مدينة جدة السعودية، ويبلغ وزن العلم 1250 رطلاً، أو ما يعادل وزن خمسة أفيال صغيرة». ويشير إلى أن علم الدنمارك، «أكثر الأعلام التي تعرضت للحرق»، في عام 2006 بسبب نشر إحدى الصحف الدنماركية رسوماً مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عام 2005. والكتاب يضم مجموعة من الحقائق حول الأعلام، لكن المؤلف يبدو غير مهتم بتوضيح الأهمية الكبيرة لمعظم الحقائق الفردية التي يسردها في كل فصل من فصول كتابه التسعة. ويتناول «مارشال» كثيراً من التفاصيل، لكنه لا يحللها ليوضح دور الأعلام في الشؤون الدولية أو السياسة المحلية. وعلى الرغم من ذلك، يشارك المؤلف من حين لآخر بعض الدرر التاريخية، إذ يكشف على سبيل المثال منشأ الرايات والأعلام إلى أن تطورت على النحو الذي نعرفه اليوم، فيقول: «إن الأعلام ظاهرة حديثة نسبياً في التاريخ الإنساني، وإن كانت الرايات والرموز رُسمت على أعلام من القماش، وكان يستخدمها المصريون القدماء والآشوريون والرومان، لكن تصنيع الحرير على يد الصينيين هو ما أفضى إلى ظهور الأعلام بصورتها الحالية وانتشارها، لأن الأقمشة التقليدية كانت ثقيلة جداً بدرجة يصعب معها أن تعلق وترفرف في الهواء، وخصوصاً إذا رُسم عليها، لكن الحرير كان أخف وزناً بدرجة كبيرة، وبالتالي أصبح من السهل حمله وخصوصاً في ميادين المعارك». ويلفت إلى أن النسيج الجديد انتشر مع الفكرة على طول طريق الحرير، وكان العرب أول من تبنوا الفكرة، واقتفى الأوروبيون أثرهم إثر الحملات الصليبية. وبالطبع، تمضي الأعلام والقومية سوياً، ونحن نعيش في أوقات تزدهر فيها القومية، ونحتاج إلى فهم أعمق لديناميات القومية، والجاذبية القوية للرموز السياسية. ويعرف «مارشال» أموراً كثيرة عن «الأعلام»، لكنه قلما استخدم معرفته الواسعة بالإعلام ودروس التاريخ ليقدم رؤية قوية بشأن استخداماتها وسوء استخدامها في الشؤون العالمية. الكتاب: علَم يستحق التضحية من أجله المؤلف: تيم مارشال تاريخ النشر: 2017 الناشر: سكربنر