بعد أقل من شهر، وفي السادس من أكتوبر المقبل، تحل الذكرى الرابعة والأربعين للنصر العربي العظيم في عام 1973. إن واجبنا تجاه أمتنا يقتضي أن نستلهم دروس النصر لتعريف الأجيال العربية الجديدة بمصادر القوة المعنوية الهائلة الكامنة في أمتها، ولتعلم كيف استطاع جيلنا الذي كان شاباً آنذاك أن يتخلص بسرعة من مشاعر الهزيمة في عام 1967، وأن يستلهم روح النصر من الزعماء العرب الكبار القادرين على إلهام الأمة وجماهيرها. كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أحد هؤلاء الزعماء الكبار، وما زال أثره باقياً إلى اليوم في نفوسنا، كما هي مآثره الأصيلة وعطاؤه المؤثر الناصع، ودوره في صناعة نصر أكتوبر.. وكل ذلك نراه متجسداً اليوم في إخلاص أبنائه لأمتهم ودفاعهم عن سلامتها ووحدتها في زمن الفتن والمؤامرات الدولية والإرهاب. كان الشيخ زايد قادراً بقوة العزيمة الصلبة على تبديد مشاعر اليأس من نفوسنا، وكان قادراً بتصميمه على النصر على إلهام الجماهير العربية بقدرتها على تحرير أراضيها التي وقعت تحت الاحتلال عام 1967، وكان قادراً على إشاعة روح النصر في قلوبنا نحن الشبان المصريين وإنفاذها إلى شغاف قلوبنا بكلماته الموجزة الشهيرة: «مصر دائماً في قلبي». لم يتوقف عطاء الشيخ زايد على هذا المدد المعنوي الهائل وشديد الأهمية لانتشالنا من يأس الهزيمة، وشحن نفوسنا بالطاقة الإيجابية لرفع روحنا المعنوية وإشعارنا ونحن نقف في خنادق القتال على الجبهة بأن لدينا سنداً قوياً يمكننا الاعتماد عليه، فقد بلغتنا أنباء من الصحف المصرية طوال سنوات الاستعداد لمعركة تحرير الأرض المحتلة بين عامي 1967 و1973 أن الشيخ زايد حريص على تعزيز القدرات القتالية لمصر، وأنه معني بتزويد جيشها بكل ما يحتاجه المقاتل المصري من سلاح وعتاد متطور تسد به مصر نواقص وثغرات التسليح السوفييتي الذي كانت تعتمد عليه بشكل رئيسي. كانت الأخبار تفيد بأن الشيخ زايد قام بحجز كل ما تنتجه الشركات الطبية في أوروبا من غرف عمليات ومستشفيات متنقلة، ليزود بها الجيش المصري حتى لا يتأخر علاج المصابين لحين إجلائهم من ميدان القتال. كان هذا الخبر محملاً بدلالات عديدة كاشفة عن خصال القيادة والزعامة عند الشيخ زايد، وهي دلالات تحولت في نفوسنا إلى قوة معنوية عالية. وأولى تلك الدلالات أن الشيخ زايد كان يمتلك رؤية عصرية لإدارة شؤون الدولة وأمور الحرب والسلام، وأنه كان عازماً على توفير أحدث المعدات الطبية للجيش المصري. أما الدلالة الثانية التي مست مشاعرنا فهي نبع الإحساس الجارف والفياض بالحنان في قلب الشيخ زايد والذي دعاه للاهتمام بالمقاتل المصري وسرعة علاجه. أما الدلالة الثالثة التي بلغتنا فكانت أعم وأشمل، وهي أن روح الزعامة والأبوة لدى الشيخ زايد كانت تمد مظلتها على كل العرب وترخي رعايتها عليهم جميعاً. لن ينسى جيلي مقولة الشيخ زايد الملهمة: «إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي». لقد أطلقها عندما قرر مع شقيقه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، معاقبة الدول التي تدخلت في الحرب بمد إسرائيل بالسلاح والعتاد والمتطوعين. لقد أضفى هذا التحرك من جانب الزعيمين الخليجيين على الحرب طابع الملحمة البطولية العربية التي تشابكت فيها كل القدرات العربية من دم ومال ونفط ومشاعر أخوة صادقة. لو شئنا مع اقتراب الذكرى الرابعة والأربعين لنصر أكتوبر أن نتعرف على أهم مصادر قوتنا، فلا بد من القول بكل أمانة تاريخية إن المصدر الأول هو الزعماء القادرون على إلهام الأمة روح النصر، والذين كان في مقدمتهم الشيخ زايد والملك فيصل والرئيس السادات. أما المصدر الثاني فهو جماهير الأمة الحاضرة بوجدانها وبتقبلها للإلهام من جانب زعمائها والمستعدة للتحمل والصبر والمؤمنة بحق أوطانها في الحرية والاستقلال.