انتهى أحدث فصول الصراع على الحدود بين الصين والهند وبوتان. فقد وافقت الهند والصين على سحب قواتهما من هضبة دوكلام المتنازع عليها بين الصين وبوتان. وجولة الصراع تلك تستحق الالتفات إليها بسبب ما لها من دلالات على طريقة تعامل الصين مع جيرانها، وبسبب ما كشفت عنه من نهج إدارة الرئيس دونالد ترامب غير المكترث على نحو غريب بآسيا التي تتزايد اضطراباً. وانتهى الصراع، في الوقت الحالي على الأقل، بتصريح من بكين لم يقر بموافقة الطرفين على سحب قواتها، بل أعلنت وزارة الخارجية الصينية انسحاب «الأفراد والعتاد المعتدي إلى الجانب الهندي». وأعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن الجيش الصيني «يجري تعديلات» في ضوء الظروف المتغيرة. ورددت وسائل الإعلام الصينية الرئيسية الرواية أحادية الجانب نوعاً ما لوزارة الخارجية. ولا يرى كثير من المراقبين جديداً في تصاعد التوترات وقرار الهند بتعزيز قواتها على هضبة دوكلام القريبة منها والمهمة استراتيجياً لها. فقد وقع عدد من مثل هذه المواجهات الصغيرة بين البلدين على مدار سنوات لم يتمخض معظمها عن شيء خطير سوى سلسلة من التصريحات شديدة اللهجة من الجانبين. وبمجرد أن تهدأ حدة التوترات، تتعهد بكين ونيودلهي عادةً بتجديد جهودهما للتوصل إلى حل دبلوماسي. فهل يكشف المأزق في هضبة دوكلام عن تزايد عدم اهتمام الصين بحسم نزاعاتها على الحدود مع الهند وبوتان؟ وإذا أخذنا في الاعتبار أن نشاط الصين على الحدود هو ما أدى إلى المأزق وتصريحاتها شديدة اللهجة، فهذا يوضح عدم حرص بكين على التوصل إلى تسوية نهائية قريباً. والواقع أن الصين لها سجل حافل في حسم نزاعاتها الحدودية مع جيرانها. وتشير دراسة موثوق بها إلى أن الصين حسمت 17 من بين 23 نزاعاً حدودياً مع دول أخرى وفي عدد كبير منها أبدت الصين استعداداً لأن تقدم تنازلات كبيرة من أجل التوصل إلى تسوية. لكن الأرض المتنازع عليها في هضبة دوكلام تمثل استثناءً محورياً، لأن مساحات مختلفة من الأراضي المتنازع عليها تمتد على طول ما يطلق عليه «خط السيطرة الفعلي» للحدود بين الصين والهند. ورغم سنوات من المحادثات الثنائية لم يتم التوصل إلى حل بين البلدين. وربما يقوم النزاع الحدودي بوظيفة مهمة للصين، فهو يسمح لها أن تلفت انتباه نيودلهي في أي وقت تريد. وتستطيع الصين خلق أزمة أمنية للهند بمجرد إرسال بعض القوات إلى الأراضي المتنازع عليها. ويرى جون جرافر، الباحث البارز في العلاقات بين الهند والصين، أن بكين لا تحسم النزاع الحدودي لتذكر نيودلهي بأنها عليها احترام السيادة الصينية على التيبت. والهند لم تتخل عن نفوذها على التيبت القائم منذ فترة طويلة قبل عام 1949 إلا على مضض، ويرجح أن تسعى إلى تجديد نفوذها إذا أمكن. وكان مسؤول هندي بارز قد صرح في وقت سابق من العام الجاري أن التيبت ليست جزءاً من الصين. ومثل هذه التصريحات يجب أن تدفع المسؤولين في المنطقة وفي واشنطن إلى البحث عما إذا كان التقييم الاستراتيجي للصين للنزاعات الحدودية يتطور بطريقة تتطلب نوعاً جديداً من الاستجابة. والواقع أن صعود الصين على مدار العقدين الماضيين غيّر ميزان القوة بينها وبين الهند. فقد أصبحت الصين الأقوى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على امتداد آسيا. وتوطدت علاقات دول مثل بوتان ونيبال وسريلانكا -وجميعها كان وثيق الصلة بالهند- ببكين، ما يقلص نفوذ نيودلهي. وهذا التوجه يثير قلق الهند. وصمت واشنطن المريب تجاه هذه الصراع الحدودي مثير للحيرة. فلم يصدر عن البيت الأبيض ولا عن وزارة الخارجية تصريح حاسم وواضح بشأن أحدث الصراعات بين الهند والصين. وربما يكون تحفظ إدارة ترامب نابعاً، على الأقل في جانب منه، من عدم الانتظام المعروف في أجهزة السياسة الخارجية الأميركية. وربما لا يعلم البيت الأبيض الطريقة الدقيقة لتحقيق توازن في المصالح والأهداف، بما في ذلك الحاجة إلى المحافظة على علاقات جيدة مع الصين وتهدئة مخاوف باكستان من تقارب واشنطن مع الهند (عدوها اللدود). ودون موقف محدد لواشنطن، قد تفهم بكين أن بوسعها تصعيد أنشطتها في المنطقة المتنازع عليها دون أي قلق من تدخل من الولايات المتحدة. وقد يتزايد احتمال نشوب صراع عسكري بين القوتين الإقليميتين المسلحتين نووياً. وفي غياب رد حاسم من واشنطن، قد تسعى بكين إلى استفزاز نيودلهي من جديد. ولذا يتعين على إدارة ترامب أن تبعث، في أقرب فرصة، برسالة لكلا الطرفين مفادها أنها لا تحبذ التصعيد العسكري من أي طرف وأنها تأمل في التوصل إلى حل نهائي لمشكلاتهما الحدودية بالتفاوض السلمي. توماس كيلوج مستشار رئيس ومدير برنامج الصين وشمال شرق آسيا في مؤسسة «أوبن سوسيتي» -نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»