يعتبر القلب البشري من الأعضاء التي تظهر بشكل جلي وواضح، قدرة الخالق عز وجل وعظمته. فهذا العضو الذي لا يزيد على كونه عضلة متخصصة في حجم قبضة اليد، مقسمة إلى أربع حجرات مختلفة، يبدأ في الخفقان منذ اليوم الثاني والعشرين من حياة الجنين، ويستمر في الخفقان لعقود وعقود، تزيد أحياناً على العشرة عقود للقلة القليلة منا الذين يتخطون المئة من العمر، ولسبعة عقود في المتوسط، حسب مؤمل العمر أو متوسط الحياة حالياً. ويظل القلب في العمل والخفقان لسنوات، حتى بعد تعرض البعض لما يعرف بالوفاة الدماغية أو موت المخ. وخلال هذه السنوات والعقود، يخفق القلب بمعدل 100 ألف مرة في اليوم الواحد، أو أكثر من 36 مليون مرة في العام، ليضخ ما يعادل 7500 لتر من الدم يومياً، عبر 96 ألف كيلومتر من الشرايين والأوردة والشعيرات الدموية. وتحتل حالياً أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، حيث تتسبب في أكثر من 17 مليون وفاة سنوياً، أو ما يعادل 30 في المئة من مجمل الوفيات البشرية، مع توقع أن تظل أمراض القلب والشرايين محتفظة بمكانتها على تلك القائمة السوداء حتى عام 2030 على الأقل، ما لم تتخذ تدابير وإجراءات جذرية على صعيد الوقاية من عوامل الخطر. ويتماثل الوضع داخل الإمارات مع الوضع العالمي إلى حد كبير، حيث تحتل أيضاً أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات داخل الدولة، متسببة في نحو الربع من إجمالي الوفيات في الدولة حالياً. وتتنوع وتتعدد عوامل الخطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، لتشمل السمنة، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، والتدخين، والتوتر المزمن، وقلة النشاط البدني وعدم ممارسة الرياضة، وارتفاع مستوى الدهون في الدم، والقابلية الوراثية، وغيرها. ومؤخراً، أصبحت أصابع الاتهام تشير أيضاً إلى عوادم السيارات، كسبب للإصابة بالأزمات القلبية المعروفة بالذبحة الصدرية. حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 2.4 مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً جراء مشاكل صحية يتسبب فيها تلوث الهواء بجميع أنواعه وأشكاله بشكل مباشر. وهذه الأسباب سابقة الذكر، التي تعرف مجتمعة بعوامل الخطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، قبل أن تؤدي لتوقف القلب عن عمله ومن ثم الوفاة، تترك أثرها على صحة القلب، لتصيبه بما يعرف بشيخوخة القلب، أي أن يكون القلب في حالة صحية لا تتناسب مع عمر صاحبه. وهذه الحالة ظهر مدى انتشارها من خلال تقرير صدر الأسبوع الحالي عن إحدى الجهات الحكومية في إنجلترا معنية بقضايا الصحة العامة (Public Health England)، حيث أظهر هذا التقرير أن واحداً من كل عشرة أشخاص في عمر الخمسين، تتشابه الحالة الصحية لقلوبهم مع الحالة الصحية لمن هم في عمر الستين، أي أن عمر قلوبهم أكبر بعشر سنوات من عمرهم الفعلي، وهو ما يزيد من احتمالات وفاتهم مبكراً، بسبب الذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية. وتوصل التقرير إلى هذه النتيجة من خلال تحليل بيانات وإجابات 1.2 مليون شخص - منهم 33 ألفاً في عمر الخمسين- على مجموعة من الأسئلة وضعت على الموقع الإلكتروني لنظام الرعاية الصحية الوطني في بريطانيا. والمؤسف أنه في الوقت الذي توقع فيه القائمون على ذلك التقرير، وفاة 7400 شخص خلال هذا الشهر فقط في إنجلترا وحدها نتيجة الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، من الممكن تجنب السواد الأعظم من هذه الوفيات، وتحقيق الوقاية منها، وخصوصاً بين من لا يزالون في متوسط العمر. ومن الممكن تلخيص النصائح والإجراءات التي تحقق أكبر قدر من الوقاية من الوفاة المبكرة بسبب أمراض القلب والشرايين في التالي: الامتناع عن التدخين، ممارسة النشاط البدني، الحفاظ على وزن طبيعي، تناول كميات كبيرة من الألياف، تجنب الأطعمة المحتوية على نسب مرتفعة من الدهون المشبعة، تناول كميات كافية يومياً من الخضراوات والفواكه، خفض محتوى الملح والصوديوم في الطعام، تناول الأسماك مرتين في الأسبوع على الأقل، وخفض المتناول من الأطعمة المعلبة والمصنعة مع معرفة محتوياتها بقراءة المعلومات المدرجة على مغلفاتها، مع خفض أسباب التوتر في الحياة اليومية قدر الإمكان، وقضاء أكبر وقت ممكن مع الأصدقاء والعائلة. ومن الأسباب فائقة الأهمية في الوقاية من الوفاة المبكرة بسبب الذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية ارتفاع ضغط الدم، وهو ما يستوجب متابعة ضغط الدم من خلال الفحص الدوري، وخصوصاً بين من بلغوا منتصف العمر، ومن يعيشون تحت سحابة من أحد عوامل الخطر سابقة الذكر.