اليوم يضعنا مسلمو روهينغا أمام اختبار حقيقي لحجم إيماننا بـ«العالم الواحد»، وما يجري على أراضي ميانمار يشكّل أولوية لدى كل بلدان العالم. وما يكابده مسلمو الروهينغا تجسيد لواحدة من أبشع صور التعصب في العالم. كثيرة هي الخطابات المكتوبة بلغة بليغة تنادي بالإنسانية، وتؤكد أننا في العالم أبناء عائلة واحدة ويجمعنا مصير واحد، ولا يمكن للبشرية أن تحقق نهضتها المعرفية ورقيها الحضاري من دون الإيمان بهذه الحقيقة، إلا أن القليل من هذه الخطابات يتجسد على أرض الواقع بجهود، ومواثيق، وخطط عمل تواجه الاضطهاد، وتقف إلى جانب المهجرين واللاجئين، وتساعد المحتاجين في مختلف بلدان العالم. واليوم يضعنا مسلمو روهينغا أمام اختبار حقيقي لحجم إيماننا بكل هذه المنطلقات والركائز التي توافقت عليها كبرى بلدان العالم، وباتت أعرافاً دولية، فما يشهدونه من اضطهاد وقتل وتهجير يتجاوز لغة الحوار الإنساني، ويبتعد عن السلام، ليتخذ من العداء والتعصب لغةً للقتل والتعذيب، تقف فيها الأكثرية موقف السلطة من الأقلية وتفرض شروطها وقوانينها بالسكاكين والبنادق. أكثر من 120 ?ألفاً ?من ?مسلمي ?روهينغا ?يتركون ?قتلاهم ?وبيوتهم ?وأطفالهم ?هرباً? ?من ?الظلم ?والقهر، ?ولا ?يسعفهم ?خيار ?اللجوء ?للنجاة ?بحياتهم، ?فبعد ?أن ?باتوا ?أمام ?خياري ?الموت ?أو ?الهجرة، ?لم ?يعد ?أمامهم ?سوى ?الموت ?في ?بلدهم ?أو ?الموت ?على ?حدود ?البلدان ?التي ?يهربون ?إليها. ويحتم علينا هذا الواقع أن نتكاتف أفراداً ومؤسسات، ومنظمات وبلداناً، لنوقف نزف إخوتنا في الإنسانية وفي الإسلام، فنحن مؤمنون بأننا أبناء عائلة واحدة كبيرة في هذا العالم، وما يصيب أحد أعضائنا تتداعى له سائر الأعضاء، وتتعاون لتكون إلى جانبه. ويتحول صراخ الأطفال والجرحى المهجرين على حدود ميانمار إلى نداء إنساني عالٍ، يدفعنا للعمل بأسرع ما يمكن لإنقاذ آلاف الأسر، فكلنا اليوم مطالبون بالوقوف إلى جانب العائلات المهجرة بالمساعدات المعنوية والمادية، بما يكفل لها حياة كريمة حتى يفض النزاع، وتهدم فكرة الأكثرية وعلاقتها بالأقلية. إن ما يجري على أراضي ميانمار لا يتعلق بمنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات العاملة على مساعدة اللاجئين ومتضرري الكوارث الطبيعية وغيرها، وإنما يتعدى ذلك ليشكّل أولوية لدى كل بلدان العالم، وقادتها، فما يجري لمسلمي روهينغا كارثة إنسانية سيوثق التاريخ الإنساني موقفنا منها. ولن يكون لها انعكاس على ميانمار وما يجاورها فقط، بقدر ما سيكون لها أيضاً أثر على المستوى الدولي، سواء كان ذلك في حماية الأقليات في العالم، أو ردة فعل المسلمين، وما يمكن توظيفه من أفكار لوقف العصبية والعنف والقتل في مختلف بلدان العالم. ولذلك لا يمكن الحديث عن حلول ممكنة لما يجري من دون الوقوف قبل أي إجراء آخر إلى جانب المهجرين واللاجئين ودعمهم، ومن ثم العمل بصورة فعلية للضغط على حكومة ميانمار للتكفل بحماية الأقلية المسلمة على أراضيها، ووقف حالة الصراع بفرض قوانين ناظمة وضابطة، تضمن مفهوم التعايش واحترام الاختلاف. إن ما ينبغي الالتفات إليه فيما يعانيه مسلمو روهينغا هو كونه تجسيداً لواحدة من أبشع صور التعصب في العالم، وأنه اختبار حقيقي لدور العاملين في حقوق الإنسان وحماية اللاجئين دولياً، إضافة إلى أنه أيضاً واحد من الأحداث التي يمكنها أن تتطور وتأخذ أشكالاً جديدة يحصد العالم آثارها يوماً تلو آخر، فلنكن عائلة واحدة في مواجهة التعصب والقتل والتهجير، ولنكن إخوة مخلصين لإنسانيتنا، مدركين لنعمة الخير والمحبة والسلام. ومن موقعي كمناصرة بارزة للأطفال اللاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين‏? ،?أدعو ?قادة ?العالم ?أجمع ?للالتزام ?بواجبهم ?الإنساني ?تجاه ?أقلية ?مسلمي ?الروهينغا، ?ومناصرة ?قضاياهم كمجموعة ?تعاني ?من ?الاضطهاد ?والتهجير، ?وينبغي ?الوقوف ?إلى ?جانبهم ?ومنحهم ?حقهم ?في ?الحياة ?بسلام ?وأمان. جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة مؤسسة القلب الكبير، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين