منذ أن عيّنت وزارة العدل الأميركية «روبرت مولر» محققاً خاصاً لإجراء التحقيق الحكومي الرسمي بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، يقع عبء التوقعات الشعبية المرتفعة على عاتقه بشكل كبير. ورغم أن لجنتي الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب، تواصلان عقد جلسات الاستجواب والاستماع للشهود، ومنهم «باول مانافورت» و«جاريد كوشنر»، فإن كلتا اللجنتين يقودهما أعضاء في الحزب الجمهوري يترددون في انتقاد الرئيس. ويبدو أن الأمل في إجراء تحقيق قوي وغير متحيز معقود على «مولر»، لاسيما أن المدعي العام «جيف سيشنز»، نأى بنفسه عن التحقيق بشأن روسيا، بينما تطوّع نائب المدعي العام «رود روسنشتاين»، بمنحه سلطة مستقلة لملاحقة الحقائق أينما تقود. لذا لا يبدو أن ثمة ضغوطاً على الكونجرس للتصرف كجهة مسؤولة عن محاسبة الرئيس. غير أن تلك النزعة خطيرة، ويتعين على لجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ التصرف كما لو أن تحقيقاتهما نهائية وربما الوحيدة، لأنها قد تكون كذلك بالفعل. فقد عمل الرئيس ترامب على مواجهة جهود «مولر»، ليس فقط عبر وصفها بأنها «حيلة حزبية»، ولكن أيضاً عبر توبيخ «سيشنز» على موقع «توتير» في محاولة لإجباره على الاستقالة من منصب المدعي العام. وبتلك الطريقة يمكن للرئيس استبداله بشخص يمكنه وقف عمل «مولر». لذا، فإن الدور المركزي للكونجرس هو الطريقة الوحيدة لضمان وضع تقرير كامل، يقدم استنتاجات وتوصيات للشعب الأميركي. وقد أشرفتُ على تحقيق معقد وله جوانب سياسية مماثلة بصفتي رئيساً مشاركاً للتحقيق المشترك في الكونجرس حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو ما يجعلني أعرف ما يستلزمه إجراء تحقيق بذلك الحجم والأهمية، من موارد ووقت وحذر وبالطبع جرأة سياسية من حين لآخر. وأعلم أيضاً أن لجنتي الاستخبارات في الكونجرس، بتشكيلهما الحالي غير متأهبتين للاضطلاع بذلك العبء، وعليهما معالجة ثلاث مشكلات أساسية. أولاً: تحتاج اللجنتان إلى قدرات إضافية، فبعد هجمات 11 سبتمبر، قررت قيادة مجلسي الشيوخ والنواب دمج لجنتي الاستخبارات في المجلسين، بحيث يمكنهما التعاون في إجراء التحقيقات المعمقة في القضايا المخابراتية التي تمخضت عنها الهجمات. وكان لدى اللجنة المشتركة فريق عمل من 24 موظفاً محترفاً يعملون بصورة خاصة في التحقيق، وباستقلالية عن الفريق المهني العادي، وكانوا يتعاونون مع وكالات المخابرات الرئيسة وجهات إنفاذ القانون، وكانت لديهم دراية بالأدلة الجنائية وتحليل المعلومات المخابراتية والتحقيقات. وفي ضوء الكم الكبير من المستندات فائقة السرية التي خضعت للمراجعة، كان لفريق التحقيق المشترك مساحة مكتبية كبيرة أيضاً، منفصلة عن مكتب اللجنة. وبلغت ميزانيته خمسة ملايين دولار مخصصة لمدة عام واحد فقط. وبالمقارنة، بلغت مخصصات لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ 8.1 مليون دولار، و8.6 مليون دولار للجنة في مجلس النواب للإنفاق على المسؤوليات التشريعية والإشرافية المعتادة على مدار فترة عامين. أما الآن، فيعمل في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ 38 موظفاً، و31 موظفاً في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، مع ميزانية 11 مليوناً و12.1 مليون على التوالي. غير أن هؤلاء الموظفين وتلك الأموال مخصصة لتشمل الأنشطة التشريعية والإشرافية للجنتين، بما في ذلك التحقيق في التدخل الروسي. ولإنجاز التحقيق الخاص بروسيا، تحتاج اللجنتان إلى موظفين مستقلين يعملون على ذلك الموضوع، ولا ينبغي أن يكون هؤلاء الموظفون الذين يحققون في التدخل الروسي موظفين عاديين في اللجنة يعملون وقتاً إضافياً. وبعد أكثر من ستة أشهر من العمل بصورة منفصلة، ربما يكون قد فات أوان دمج لجنتي الكونجرس الحاليتين، لكن لم يفت أوان إنشاء فريق عمل مستقل ومؤهل وأكبر عدداً للقيام بمسؤوليات اللجنتين، خصوصاً في عصر ما بعد «مولر». ثانياً: على لجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ البدء بسرعة في التخطيط لسيناريوهات ما بعد «مولر». وربما أن «سيشنز» سيظل على موقفه، و«روسنشتاين» سيواصل حماية استقلالية «مولر»، لكن على اللجنتين وضع بروتوكولات الآن لتفعيلها إذا تمت إقالة «مولر» لضمان حماية كل المستندات والمراسلات والمواد الأخرى التي تم جمعها من خلال تحقيقات «مولر» و«جيمس كومي»، وإمكانية الوصول إليها. ثالثاً: على الكونجرس الاضطلاع بدوره والإصرار على إجراء التحقيق. ورغم أن التحقيق بشأن التدخل الروسي في الانتخابات ليس مرتبطاً بموعد محدد، لكن ثمة نتائج خطيرة للمماطلة. فإذا كانت روسيا قد حاولت التدخل في الانتخابات الديمقراطية في أوروبا والولايات المتحدة، وأماكن أخرى، فإن كشف تلك الحقيقة أمر مهم. وستحتاج الحيلولة دون حدوث تدخلات في الانتخابات المستقبلية تأييداً من شعب أميركي مطلع على الأمور. ولعل أفضل الخيارات أن يواصل «مولر» تحقيقه، حتى نهايته، وأينما يقوده. لكن إذا وجد ترامب وسيلة لمنعه، فسيثير الأمر أزمة دستورية لا مثيل لها منذ فضيحة «ووترجيت». وعلى الكونجرس أن يتأهب لأسوء السيناريوهات. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»