إننا نعيش في أميركا أزمة تضامن وطنية، مع ارتفاع المرارة العنصرية، وانعدام الثقة المتغلغل، والخلل السياسي. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن الموارد التي يمكننا استغلالها كي تجمعنا معاً، وأي شيء يمكننا الاعتماد عليه لكي نسطّر قصة أميركية أفضل من تلك التي تُسطر في الوقت الراهن.. قصة توحِّدنا بدلاً من أن تقسمنا، وتتمخض عن إجابات تبعث على الأمل بدلاً من إجابات تتسم بالأنانية. إن الأرض هي أحد تلك الموارد، فعلى مرّ تاريخنا، شكّلت الطبيعة الهوية الأميركية، فالبريّة تصقل الأميركيين وتلهمهم وتربطهم ببعضهم بعضاً. وحتى الآن، ارتبط الرؤساء الأميركيون بدرجة ما بالطبيعة، فجورج واشنطن كان مستكشفاً، وأحبّ «ثيودور روزفلت» الصيد، بينما جزّ ريجان وبوش العشب. وأما ترامب، فيبدو على غير المعتاد غير متأثر بالبرية. وعلى رغم ذلك، يحب ترامب القيادة حول ملاعب الجولف، التي تكسوها أيضاً أشكال صناعية من الطبيعة! ومنذ تأسيس الولايات المتحدة، كان لدى الأميركيين شعور بأن الوفرة الكبيرة والجميلة في هذه القارة منحت دولتهم الكثير من المزايا. وقد جعلتهم الأرض يشعرون بأنهم منفصلون عن أوروبا، فأسلوبهم أبسط، وإعجابهم بالممارسة العملية أكثر حماسة، وطموحاتهم أشد توهجاً. ومثلما كتب المؤلف «هيكتور جون دي كريفوار»: «يبدو أي أوروبي عند وصوله إلى الولايات المتحدة محدوداً في طموحاته ورؤاه، ولكنه فجأة يبدل مقاييسه، وبعد أن كانت مئتا ميل مسافة كبيرة جداً بالنسبة له، تصبح قليلة، وسرعان ما يتنفس الهواء الأميركي، ويعكف على تصميمات لم يكن ليفكر فيها في دولته الأم». وفي المخيال الأميركي لم تفض حالة الوفرة في الموارد إلى الانحسار أو الانحدار، وإنما إلى التفاؤل، والشعور بأن هناك مجالاً يتسع للجميع، وقد أنتج ذلك حالة من التركيز على التطلع إلى المستقبل، وأضحى النظر إلى الحاضر يكون في الغالب عبر نقطة استشراف للمستقبل. وفي وقت كانت فيه أميركا عبارة عن 13 مستعمرة مشتتة لا تحتضن سوى شاطئ واحد، كتب «صامويل آدمز»: «لا يتطلب الأمر سوى نذر يسير من البصيرة كي يستشرف المرء أن الأمل سيقيم إمبراطورية قوية في أميركا». وقد منح «إنشاء نظام جديد، يصلح على مر العصور، أجيالاً من الأميركيين شعوراً بالهدف، وأن هناك شيئاً ما ليكرّسوا له حياتهم». وقد كان أكبر شيء منحته الطبيعة للولايات المتحدة هو التعددية. فقد جاء مختلف الأميركيين بشخصيات مختلفة وأساليب متنوعة في التعامل مع الطبيعة. وقدم كل نوع منهم نموذجاً لكيفية العيش بطريقة مريحة ومبهجة. فهناك نموذج لشخصية شكلتها حراثة الأرض، وأخرى تشكلت باستكشاف الأرض، وثمة نموذج آخر شكلته طهارة الأرض في المخيال العام. ونُسجت تلك النماذج معاً لتشكل الأسطورة الأميركية. فالنموذج الأول هو نموذج الخادم للمجتمع، ذلك أن المزارعين والحرفيين البسطاء، الذين يعيشون بالقرب من الأرض، يميلون إلى الاعتماد على أنفسهم والصدق والتواضع، والارتباط بمجتمعهم المحلي. والنموذج الثاني هو الرائد، وهو الذي يستكشف البرية ويطور المهارات ويتسلح بالشجاعة والمروءة. وهو المبدع المقدام الذي ينشد التقدم بمطاردة حدود المعرفة. والنموذج الثالث هو صاحب الروح السامية. وهو الذي يسمو فوق المادية. وكثيراً ما يكون مفعماً بالحب الشديد للناس، ويحتفي بتنوع الحياة السرمدي، ويشعر بأنه جزء من شبكة قديمة ولا متناهية من العلاقات. ولسان حاله يقول: «سأكُوّن صحبة قوية كالأشجار على طول أنهار أميركا، وعلى طول شواطئ البحيرات العظمى، وفي أنحاء البراري». وفي هذه الآونة، أسأل كثيراً من الناس عن نسبة المشكلات التي تعاني منها أميركا، ويمكن حلها من خلال السياسة والسياسات، ولكن كثيرين يقولون إن معظم تلك المشكلات أكبر من خيال الطبقة السياسية، فهي تحتاج إلى إحياء القيم والتآخي، والعمل معاً لبناء قصة أميركية جامعة. ولا أعرف سبلاً يمكن بها إحياء تلك الروح، ولكن في عصر السيارات ذاتية القيادة والمنتديات الإخبارية، أتصور أن بعض الإجابات يكمن في الارتباط مجدداً بمثلنا القديمة وبأرضنا الأم. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»