نادت المضيفة: عندنا حالة مستعجلة.. هل ثمة طبيب في الطائرة؟ هرع الدكتور ايريك توبول (Eric Topol) وعرّف بنفسه، ثم أخرج من جعبته جهازاً بسيطاً، مثل الحواة والسحرة، بدأ يقيس به ضغط الدم ويجري تخطيط قلب كهربياً، وثالث بصدى الصوت لوضع القلب، ورابع لقياس إشباع الأوكسجين في الدم. خلال لحظاتٍ، رفع دكتور الأمراض القلبية «توبول» تقريره إلى طاقم الطيران، أن لا خوف على المريض، وكل ما في الأمر أن سبب الغيبوبة المؤقتة للمريض كان تباطؤ ضربات القلب لفترة وجيزة، ويمكن متابعة الطيران. يقول الدكتور توبول، وهو أميركي من ولاية كاليفورنيا، إن هذه ليست المرة اليتيمة التي تصادفه فوق الغمام، فهناك حالة خطيرة صادفته حين وضع جهازه الذكي، ليقرأ تخطيط القلب الكهربي، لراكب أصيب بذبحة صدرية، ليقول: عليكم بالهبوط الاضطراري، فالرجل مصاب باحتشاء قلب حاد. كل هذه الأمور يتم تشخيصها، ليس من خلال أجهزة معقدة، بل يقوم الرجل بإجرائها بكل بساطة من خلال جهاز تلفون ذكي بكلفة 200 دولار، فيه برامج طبية، تدرس حالات شتى، من الشقيقة وباركنسون والزهايمر واحتشاء القلب وضغط العين وتجويف الأذن ورجفان القلب ووظيفة الرئتين وصدى الوتين ومقدار الكحول في التنفس.. إلى فحص الجينوم البشري. عمالقة الأجهزة الطبية مثل «فيليبس» و«سيمنس» يرتعشون من الزلزال الكامن تحت أقدام الأطباء والعيادات، كما صرح بذلك الرئيس الفني لـ«فيليبس»، بيتر فولينجس (Peter Vullinghs)، أما آرثر كايندل Arthur) Kaindl) مدير الخدمات الصحية عبر الديجتال في شركة «سيمنس»، فيقول إن زبائننا ليسوا المرضى بل المشافي، وهناك في الساعة الواحدة على قطر الأرض 200 ألف مريض يفحصون بأجهزتنا. أما كريستيانه ستارك (Christiane Stark) من شركة «أودي»، فتتحدث عن سيارات تسير لوحدها، وتدرس صحة المريض وتجري له المساجات، وتمارين التنفس، وتنشيط الدوران، بل وتقوده إلى اختيار الطبيب المناسب، والمركز الصحي الملائم الذي ينبغي أن يقصده.. كما حدث مع ذلك المريض الذي فوجئ بجلطة رئوية، فاستخدم جهاز تيسلا (Tesla) الذي قاده إلى المركز الصحي القريب منه، فتمت معالجته ونجا من موت محتم. يقول الدكتور ماركوس موشينيش (56 عاماً)، وهو طبيب أطفال، إنه كان عليه أن يخلع المعطف الطبي منذ أمد بعيد، لكنه اليوم أحد رواد رقمنة الطب وترجمته. فالأطباء في العادة يرطنون بمصطلحات لاتينية، لكننا مع «موشينيش» نحن أمام ما فعله مارتن لوثر حين حرر الإنجيل من اللغة اللاتينية وترجمه إلى الألمانية. كذلك الحال مع تبسيط الطب في أمور شتى. يمكن عن طريق الرقمنة وضع راصدات لفحص السكر وضخ الإنسولين تلقائياً للمريض. يمكن وضع المريض المنبب الخاضع لجهاز التنفس الصناعي تحت مراقبة ديجتال يقوم بالأمر. يتم الآن التفاوض مع شركات التأمين الطبية لإدخال هذا النظام. فالتوقعات أن عالم الديجتال سوف يتجاوز الطب الحالي كله، والتقديرات الأولية لإدخال الرقمنة إلى المؤسسات الطبية، ستكون بتكلفة 350 مليار يورو في ألمانيا لوحدها. يذكر التاريخ أن المهلة المعتادة بين ثورات الطب هي في المتوسط 17 عاماً، وهو ما سيحصل مع الطب الحالي والأجهزة الذكية الجديدة. ونعرف جميعاً قصة السماعة الطبية (Stethoscope) حين ظهرت للوجود أول مرة عام 1816 كيف حاربها الأطباء عشرين عاماً قبل أن يتبنوها بشكل مطلق، فهي مدلاة في عنق كل طبيب علامة لا تفارقه كطبيب.