كثيراً ما يرى المرء أسماءً كانت لامعة يوماً ما في بلدانها لكنها خبَت بعد فترة زمنية قصيرة ولم يعد يسمع بها الناس، ومسألة كهذه قد تكون طبيعية في أي بلد إذا ما حدثت في أوقات عادية، في أوقات السلم، فالمناصب ليست ثابتة والمهام والمسؤوليات تتعدّد وتتجدّد كما أن للعمر ضروراته، لكن حينما يتزامن خبو الأسماء مع أحداث كبيرة ونوعية غير مسبوقة تاريخياً، فإن المسألة تصبح غير عادية وتؤشر على أمور قد لا تتكشّف حقيقتها إلاَّ بعد انتهاء تلك الأحداث بزمن. ما جعلني أخلص إلى هذا هو الكتاب الذي وقع بين يدي بمحض الصدفة، بنسخته الإلكترونية وصفحاته الـ496، وقرأته بتمعن وتجرد كبيرين من دون أي تحليل، فوجدته يكشف عن خلفيات وإرهاصات لأحداث مهمة وقعت في العالم العربي خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية، كنا قد كتبنا عنها في الصحافة المحلية وتناولناها بالاجتهاد والتحليل لنصيب أحياناً في بعضها ونخطئ في أخرى. في المقدمة كتب المؤلف:(كنت ألحظ غياب أحداث مهمة وضعفاً في صدقية أحداث أخرى في بعض مذكرات مسؤولين آخرين عرباً وأجانب. وقد وجدت نفسي مضطراً لكتابة هذه المذكرات بعد أن نشر كثير من الأكاديميين والصحافيين والساسة المهتمين بالشرق الأوسط رواياتهم عن هذه الفترة، ولم تبق إلا الرواية السورية، الرواية المفقودة. فأنا لا أستطيع التهرب من المسؤولية أكثر مما هو جائز أو معقول نظراً إلى أنني معني بشكل مباشر كوزير خارجية لأكثر من عقدين من الزمن). وهنا جاء دور طرح السؤال: ترى أين فاروق الشرع مؤلف هذا الكتاب (الرواية المفقودة) وما حل به في المعمعة السورية؟ معلومٌ أن ما حدث ويحدث في سوريا وفي المنطقة العربية عموماً، كان وما زال كفيلاً بألاّ يوفر للمراقبين والمهتمين رفاهية الوقت للتأمل والتفكير بأسماء كان لها حيويتها يوماً ما ثم آلت إلى الظل، إلاّ أن الرجل عاود السباحة كما يبدو مرة أخرى ليطفو على السطح مؤشراً على نفسه وأهميته بشهاداته على الأحداث، التي رغم أنها أصبحت تاريخاً إلا أنها ظلت ذات صلة قوية بما هو جديد وراهن. عمله فيه جرأة تحسب له وقد أشار إلى هذا المعنى: (الشجاعة لا تأخذ قيمتها العليا إلا إذا ترافقت مع الحكمة). والكتاب فيه إضافة إلى التشويق نصيب من الحكمة المدروسة ويتحدث عن أسماء التقاها خلال عمله، وأحداث كان شاهداً عليها بحكم مسؤوليته ودور بلاده في بعضها. يشدك وصف الكاتب لرئيس الدولة حينذاك الشيخ زايد طيب الله ثراه، يقول فاروق الشرع:(كان الشيخ زايد عروبياً بالفطرة، لمّاحاً وذكياً ويتمتع بفراسة خاصة من دون أن تجبره على الدخول في تفاصيل المناقشات البيزنطية والتساؤل عمن هو العدو). وبدا موضوعياً في كثير من روايته التي يؤكد فيها أنه (من الخطأ اعتماد هذه المذكرات كسرد تاريخي أو تسجيل وثائقي للأحداث السياسية بالمعنى الحرفي للكلمة، فأنا لست مؤرًخاً وإن كنت مهتًماً بالتاريخ القديم والحديث، ولا كاتب عدل وإن كنت أعتبر الدقة والموضوعية فيما أكتب جزءاً من كيان الإنسان وحياته اليومية). ويضع رؤيته أن ما يحدث من وقائع لها أكثر من زاوية نظر:(أُدركُ أن كلاً منا يقرأ التاريخ من زوايا مختلفة ويرى أحداثه بألوان وظلال متعددة، لأنه في اعتقادي لا وجود لتاريخ موحّد أو وصف متطابق لحادثة معينة بما فيها تلك التي تحصل أمام ناظرينا).