قياس الرأي والوقوف على مؤشراته من المسائل المعتمدة اليوم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتشخيص الظواهر وتسهيل الحلول على صناع القرار، كما أن القياس القبْلي بل والبعدي لردود الأفعال المتوقعة تجاه القرارات الحساسة، أصبح من القواعد الكبرى التي يُحسب لها ألف حساب تجنباً للمجهول، واللايقين خاصة في الدول المتقدمة التي تربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث يكفي للناخبين وضع علامة (X ?) يوم ?الانتخاب ?في ?ورقة ?واحدة ?لإزاحة ?حزب ?بأكمله ?من ?سدة ?الحكم. ونتذكر هنا الذكريات المأساوية للإعصار "كاترينا" الذي دمر نيو أورلينز في أغسطس 2005، وقتل أكثر من 1800 شخص، واضطر معه مليون آخرون لمغادرة بيوتهم، وبلغت القيمة الإجمالية لخسائره حينذاك 150 مليار دولار، حيث واجه الرئيس بوش عندها سيلا من الانتقادات، لتأخره في التحرك لإرسال المساعدات. ?وفي ?مبادرة ?أدت ?إلى ?تفاقم ?الانتقادات، ?حلق "?بوش" ?فوق ?لويزيانا ?دون ?أن ?يحط ?فيها، وأصبحت ?الصورة، ?التي ?يظهر ?فيها ?الرئيس ?بوش، ?وهو ?يتأمل ?المنطقة ?المدمرة ?من ?نافذة ?الطائرة ?الرئاسية، ?بسرعة ?رمزاً ?لإدارة ?منقطعة ?عن ?الواقع. ?وأشارت ?آنذاك ?استطلاعات ?الرأي ?إلى ?هبوط ?مدوٍ ?في ?شعبية ?الرئيس، ?وتركت ?تداعيات ?خطيرة ?على ?تصويت ?المناطق ?المنكوبة ?على ?حزب ?الرئيس ?في ?الانتخابات ?المتتالية، ?وهو ?ما ?فهمه ?الرئيس ?ترامب ?مع ?فيضانات ?تكساس، ?فحطت ?طائرته ?بجوار ?المناطق ?المنكوبة، ?ليتفقد ?الولايات ?الغارقة ?شوارعها ?نتيجة ?أمطار ?غير ?مسبوقة ?من ?العاصفة «?هارفي»?، ?مصمماً ?على ?إظهار ?وحدة ?صف ?البلاد ?في ?مواجهة ?هذه ?المصائب. ونحن نتحدث عن استطلاعات الرأي لا بد من الإشارة إلى أنه حتى في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، غالباً ما تكون الأبحاث العلمية المعتمدة والدقيقة قائمة في منهجيتها على نتائج استطلاعات الرأي في مجال التخصص المعين؛ ولكن عندما نستحضر ما تتكهن به مؤسسات استطلاع الرأي في الدول الغربية، ينتابنا في بعض الأحيان بعض من الحيرة والشكوك في مدى نجاعتها واستشرافها وواقعية أرقامها. ويمكن أن نستحضر في عجالة استطلاعات الرأي الأميركية التي كانت تضع في عز الانتخابات الرئاسية السيدة هيلاري كلينتون في المقدمة بفارق كبير على منافسها آنذاك الرئيس الحالي ترامب، وهناك مراكز استطلاعات كثيرة ووسائل إعلامية أميركية كبيرة، على رأسها "سي إن إن" و"إم سي إن بي سي"، وصحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز، كانت ترجح فوزها في الانتخابات.. وبلغت هذه المنابر الإعلامية درجة كبيرة من التأكيد على فوز كلينتون، وأعدت برامج تحدثت فيها عن طبيعة رئاسة "السيدة الأولى سابقا"، وأي نوع من التركة ستتسلمها من بارك أوباما، وكيف ستكون سياساتها الجديدة، ولكن هذه الاستطلاعات أصبحت ضالة ومضلة، وهو ما يثير ألف تساؤل. كما أن عدم التوفيق في توقع النتائج رصد كذلك في استطلاعات الرأي حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من عدمه، إذ كانت ترجح الخيار الثاني، الأمر الذي لم يحصل، إلى جانب فوز حزب "المحافظين" في الانتخابات البرلمانية البريطانية عكس توقعات الاستطلاعات. وكشف استطلاع للرأي أجراه منذ أيام المعهد الفرنسي للرأي العام (إيفوب) أن شعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تراجعت إلى 40 في المائة في شهر أغسطس، أي بمقدار 22 نقطة مئوية منذ أول استطلاع للرأي أجراه نفس المعهد عقب فوزه بالرئاسة، إذ أصبحت نسبة الراضين عن أداء الرئيس الجديد 40 في المائة، أي بتراجع قدره 14 نقطة مئوية خلال شهر تضاف إلى 10 نقاط كان خسرها في يوليو. ?وبالمقارنة ?مع ?سلفيه، ?فإن ?شعبية ?الاشتراكي ?فرانسوا ?أولاند، ?كانت ?في ?الفترة ?نفسها ?من ?عام ?2012 ?أكبر ?بكثير (?54%)?، ?أما ?شعبية ?اليميني ?نيكولا ?ساركوزي، ?فكانت ?في ?نفس ?الفترة ?من ?عام ?2007 ?أكبر ?بفارق ?شاسع (?67%)?. هل هذا يجب أن يخيف الرئيس ماكرون وفريق عمله؟ لا أظن ذلك خلافاً للعديد من المحللين. فلا أوافقهم الرأي، لأنه أولاً ما كان أحد يتكهن في البداية بما فيها كل مراكز استطلاعات الرأي الفرنسية وصول رئيس في عمر ماكرون إلى عرش الإليزيه، وانخفاض شعبيته مسألة نسبية في المجال السياسي العام المتغير، كما أنني مع كثيرين لم نعد نثق في واقعية نتائج مراكز الاستطلاعات، والأمثلة التي سردناها في هذه المقالة مقنعة، فلا يمكن أن نحكم عليها بالحقيقة المطلقة رغم تطور قواعدها وتعدد آلياتها، وعيدكم مبارك سعيد.