أتقدم هنا باقتراح متواضع، وأدعو نشطاء أقصى اليمين وأقصى اليسار إلى الاجتماع كل عدة أسابيع في ساحة قومية عامة والاحتجاج كما يحلو لهم. ويستطيع الآخرون منا النظر إلى هذه الموجة من الهياج في الشوارع باعتبارها عرضاً جانبياً. على كل حال، هذه ليست معركة عن روح أميركا. فلا النازيون من حملة المشاعل ولا الفوضويون الملثمون يمثلون مستقبلا قادراً على الصمود لأميركا. إنهم واقعون فحسب في أسر الحنين إلى الماضي وصورة أكثر هلعاً لتكرار الحرب الأهلية. وجمعهم سوياً لا يعني مساواة بين جانبين غير متساويين. فقضية مناهضة الفاشية نبيلة بينما العنصريون الذين ينظمون مسيراتهم في تشارلوتفيل بولاية فيرجينيا، يخبرون صحفيين مثلي بأنه تجب تصفيتي حرقاً في الأفران! وأنا لا أتحدث عن اليساريين غير العنيفين وغير الملثمين الذين يحتجون على الفاشيين، بل عن الجناح المتطرف الذي يظهر في هذه التجمعات لـ«حماية» المواطنين العاديين. وهؤلاء اليساريون العنيفون شيء مختلف تماماً. وربما سمع القارئ عنهم في الآونة الأخيرة. فقد ذكر مارك براي مؤرخ حقوق الإنسان الذي أصبح في الآونة الأخيرة متحدثاً غير رسمي باسم هذا الجناح المتطرف، أن أنصار هذا الجناح «غالبيتهم من الشيوعيين والاشتراكيين والفوضويين الذين يرفضون اللجوء إلى الشرطة أو الدولة لوقف تقدم المؤمنين بتفوق البيض». وفي الآونة الأخيرة أيضاً، حظي هذا الفريق بإشادة في التغطية الصحفية. وبعد أحداث تشارلوتفيل، ذكر كاتب أميركي شهير وواسع الانتشار مثل كورنيل ويست، على سبيل المثال، أنه لولا عنف مناهضي الفاشية «لتم سحقنا مثل الصراصير». وبعد تردد الرئيس ومراوغته في أعقاب أعمال الرعب هذه، ظهرت تغريدات على تويتر تقارن بين أعمال عنف مناهضي الفاشية وإنزال قوات الحلفاء في نورماندي في الحرب العالمية الثانية. إنه ليس المقابل التاريخي الأكثر ملاءمة. ولنلق نظرة أكثر قرباً على الفترة ما بين الحربين. فمعظم من تصدوا للفاشيين في شوارع أوروبا كانوا يساريين راديكاليين. وساعد الجانبان المتطرفان في إضعاف الحكومات الضعيفة بالفعل في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. وكي نشعر بمدى بشاعة اللحظة السياسية علينا قراءة كتاب «الحنين إلى كاتلونيا» للكاتب الإنجليزي الشهير جورج أورويل، وهو عبارة عن مذكرات ممتازة حول مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية. وأشار أورويل في الكتاب إلى أن الاشتراكيين والفاشيين الذين يقاتلون من أجل إسبانيا كلاهما سلطوي. ومناهضو الفاشية اليوم ليسوا ورثة الحلفاء الذين قاتلوا النازية بل ورثة السوفييت الذين سفكوا دماءهم في الجبهة الشرقية. فبعد سقوط الرايخ الألماني الثالث جعل الجيش الأحمر من دول شرق أوروبا إقطاعيات تحت هيمنته. وتسمية مناهضي الفاشية بهذا الاسم ليس دقيقاً لأنه يمكن أن نطلق عليهم «الفاشيون أيضاً». وهذه الحركة منتشرة في الولايات المتحدة منذ عقود. وواجهت في الأصل النازيين الجدد في حفلات الموسيقى الصاخبة وما شابه. واليوم أصبح مناهضو الفاشية الطليعة العنيفة لحركة «المساحة الآمنة» التقدمية شديدة الانتقاد. ومناهضو الفاشية في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا هم من منعوا الكاتبين ميلو يانوبولوس وآن كولتر من التحدث في الحرم الجامعي هذا العام. ومهما يكن توصيف هذين الشخصين، فإنهما ليسا نازيين. والواقع أن رد الفعل الهستيري الذي تسبب فيه ظهورهما أثبت نقطة لطالما أشار إليها يانوبولوس، وهي أن فكرة «الصواب السياسي» في الحرم الجامعي تمثل تهديداً لمبدأ حرية التعبير. ويمكننا جميعاً أن نتفق مبدئياً على مناهضة النازية والأنواع الأخرى للفاشية، لكن عدم الاتفاق ينبع من توصيف من هو الفاشي. وحتى الآن لم يظهر نشطاء حركة مناهضي الفاشية إلا القليل من الاهتمام بهذا الشأن. فقد ظهر عدد كبير من مناهضي الفاشية في اجتماعات ترامب بينما كان من المفترض أن كل شخص يدعم ترامب يوصف بأنه من أتباع حركة كو كلوكس كلان العنصرية. واصطدم نشطاء مناهضي الفاشية هذا الشهر بالشرطة في اجتماع حاشد في بوسطن. ومن المثير للسخرية أن هذا الاجتماع الحاشد قد تمت الدعوة إليه لتأييد «حرية التعبير». صحيح أن بعض المتحدثين المدعوين كانوا من الرجعيين، لكن الاجتماع كان مفتوحاً لكل القطاعات السياسية لدعم فكرة أننا في أميركا نتمتع بحرية التجمع وقول ما نريد. لذا أرجو أن يتفق النازيون الجدد أو نشطاء مناهضة الفاشية، إذا كانوا يقرؤون هذه السطور، على موعد ويحتجوا ضد بعضهم البعض بعيداً عنا. وأن أزكي لهم ساحة يولوستون القومية. وأعدهم أن أنقل الأمر إلى وسائل الإعلام لتغطي هذه الأحداث باهتمام كبير. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»