من المؤكد أن هناك كثيرين من كارهي التسامح في مدينة تشارلوتفيل بولاية فيرجينيا. ولكن يجب ألا يحجب هذا أيضاً بعض الأخبار الجيدة، وأولها أن الولايات المتحدة أصبحت أمة أكثر تقبلاً للآخر وتسامحاً معه. ولم يراوغ معظم المواطنين حين سئلوا عن رأيهم في جماعات الكراهية التي حلت بولاية فرجينيا قبل أسبوعين. وتوجهات الناس بشأن الزواج بين الأعراق المختلفة من بين أكثر التغيرات إثارة للاهتمام. ففي عام 1968، أي بعد عام واحد من توفير الحماية الدستورية للزواج بين الأعراق المختلفة، كان 73% من الجمهور يعارضون مثل هذه الزيجات ومن بين هؤلاء ثلث الأميركيين الأفارقة. وكان هناك 20% فقط من الناس يؤيدون مثل هذه الزيجات. وبحلول عام 2013، وهو أحدث الأعوام التي طرح فيها مركز «جالوب» لاستطلاعات الرأي ذلك السؤال على الجمهور، تغيرت التوجهات بشكل كبير فأصبح 87% من الخاضعين لاستطلاعات الرأي يؤيدون الزيجات بين الأعراق المختلفة، و11% فقط يعارضونها. وقد أشارت أيضاً دراسة لمركز «بيو» البحثي إلى أن 7% من الأميركيين أنفسهم متعددو الأعراق. وهذا توجه تتزايد سرعة تقبله وسط الشباب. وقد أكد أيضاً معظم الأشخاص من متعددي الأعراق أنهم قد تعرضوا لنكات وإهانات عنصرية، ولكن لا أحد منهم تقريباً يعتقد أن وضعيته تمثل عائقاً. وتوصل مسح لمركز «بيو» إلى أن واحداً من كل خمسة أشخاص من متعددي الأعراق يقولون إن هذا يمثل ميزة لهم، بينما يقول ثلاثة أرباع هؤلاء إنه بلا تأثير في الحياة اليومية أو في المستقبل المهني. وتوصلت دراسة «بيو» أيضاً إلى أن الأميركيين متعددي الأعراق باتوا «في مقدمة التغيرات الاجتماعية والسكانية في الولايات المتحدة، وهم شباب معتزون بأنفسهم ومتسامحون ويتزايدون بمعدل يزيد ثلاث مرات عن معدل زيادة السكان ككل». ويجادل بعض القوميين البيض، مثل ستيف بانون المعاون السابق للرئيس ترامب، بأن الأميركيين يحنون إلى الأيام الخوالي التي كان فيها عدم التسامح شائعاً. ولاشك في أن بعض الأميركيين يحنون إلى تلك الأيام. وقد نشأ بانون في فيرجينيا، وهي ولاية قاومت على نطاق واسع دمج المدارس في خمسينيات القرن الماضي، وكان مراهقا في عام 1967 حين أبطلت المحكمة العليا بالإجماع قانوناً للولاية كان يحظر الزواج بين الأعراق المختلفة في قرارها الشهير في قضية «لافينج» ضد فيرجينيا. وتغير التوجهات يصاحبه تغير في الواقع. وإحدى وسائل قياس التغير الاجتماعي تتمثل في فحص دليل المؤشرات الثقافية البارزة وهو عبارة عن رؤية إحصاء للمؤشرات الاجتماعية مثل معدلات الجريمة والأسرة وسلوك الشباب والثقافة السائدة والدين. وهذه الرؤية دشنها المعلق المحافظ «بيل بينت» في عام 1994. وبعد سنوات من التصاعد، بدأت كثير من المؤشرات الرئيسية الدالة على التفسخ الاجتماعي في الهبوط في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وجرائم العنف والإجهاض والطلاق على سبيل المثال بدأت تتراجع. وانخفضت أيضا مواليد الأطفال غير الشرعيين. والفضل في هذه الظاهرة الأخيرة يرجع إلى الجهود التثقفية في القطاع العام والجماعات الخاصة مثل الحملة القومية لمنع حمل المراهقات وحالات الحمل غير المرغوبة. وتعتقد كارول هوغ المتخصصة في صحة الطفل والأم في جامعة ايموري بولاية جورجيا أن النساء أصبحن يحسن استخدام أدوات منع الحمل. وأكدت أن الأزواج إذا أحسنوا استخدام موانع الحمل فإن حالات وفاة الأمهات أثناء الولادة ستنخفض وتقل معها حالات الحمل غير المرغوب فيها بنسبة 80% وتقل حالات الإجهاض بواقع 150 ألف حالة. وحالياً، انخفضت معدلات الجريمة والطلاق إلى مستويات لم نشهدها منذ سبعينيات القرن الماضي. وبحلول عام 2014، انخفض معدل الإجهاض إلى أدنى مستوى له منذ أن جعلت المحكمة العليا الإجهاض حقاً دستورياً في عام 1973. ولكن الواقع أن هناك الكثير للغاية من الجريمة والاستخدام غير المشروع للمخدرات، وعدداً زائداً عن الحد من الأسر الممزقة، وأيضاً قدراً كبيراً من التعصب. ويركز كل من السود والبيض على نقاط مظلمة في نظرتهم إلى التقدم في مجال المساواة بين الأعراق. فنجد مثلاً أن ارتفاع معدل الوفيات وسط الأميركيين البيض من متوسطي العمر يعكس زيادة في شرب الكحوليات والإفراط في تعاطي المخدرات والانتحار في غمرة تقلص فرص العمل أمام الطبقة المتوسطة. ولكن النسيج الاجتماعي للبلاد في حال أفضل الآن أكثر مما كان عليه قبل عقد أو عقدين. وتوجهات المجتمع في القضايا الاجتماعية أفضل حالاً أيضاً. ومثيرو الكراهية في مدينة تشارلوتفيل ما هم إلا هامش جدير بالازدراء. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»