سيجد سكان تكساس القليل من التعازي في أعقاب حدوث إعصار مرعب مثل هارفي. ولكن هنا، على الأقل، نجد مواساة: فالعاصفة التي أصابتهم، وعدد القتلى -الذي بلغ حتى وقت كتابة هذه السطور 38- هو عدد منخفض بصورة ملحوظة، نظراً لشدة الإعصار. ولكن ليست هذه هي الطريقة التي تجري بها الأمور في أماكن كثيرة أخرى من العالم. ففي عام 1998، ضرب إعصار ميتش أميركا الوسطى وقتل ما بين 11- 19 ألف شخص، معظمهم في الهندوراس ونيكاراجوا. وبعد ذلك بما يقرب من عقد من الزمن، ضرب إعصار نرجس ميانمار، وأودى بحياة 138 ألف شخص. إن مظاهر المآسي والكوارث الطبيعية -من أعاصير وزلازل وانهيارات أرضية وجفاف وأمراض معدية- ربما تضرب بشكل غير متوقع. ولكن آثارها قد لا تتوزع عشوائياً. وتميل بعض الدول الغنية عادة إلى قياس ضرر مثل هذه الكوارث من حيث خسائرها بالأموال في المقام الأول. أما الدول الفقيرة فتعاني في المقام الأول فيما يتعلق بالأرواح. وخلال الفترة من 1940- 2016، لقي 3348 شخصاً مصرعهم في الولايات المتحدة بسبب الأعاصير، وفقاً لبيانات الحكومة، بمعدل 43 ضحية سنوياً. وهذه مأساة، ولكن قارنها بما يقرب من 140 ألف شخص لقوا حتفهم عندما ضرب إعصار بنجلاديش عام 1991. فلماذا تكون الدول الأكثر ثراء أفضل حالاً من الدول الفقيرة عندما يتعلق الأمر بالكوارث الطبيعية؟ إن الأمر لا يتعلق فقط بالتنظيم الأفضل. لقد نشأتُ في مكسيكو سيتي، التي اعتمدت قوانين بناء صارمة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة في عام 1957. ولكن لم ينقذ هذا المدينة في زلزال 1985، عندما علمنا أن هذه القوانين قد تم انتهاكها لسنوات مديدة بسبب مفتشي البناء الفاسدين والمتراخين، ولذلك سجل الآلاف من الأشخاص الذين دفنوا تحت أنقاض الأبنية التي كانت غير مطابقة للمواصفات. إن القوانين تكون جيدة أو سيئة فقط من خلال إنفاذها. والإجابة الأفضل تكمن في الجمع بين استجابة الحكومة والحماس السكاني بشكل رائع، كما كان الحال هذا الأسبوع في تكساس. ثم هناك أيضاً مسألة الثروة. إن الجميع يعلم أن المنازل المبنية من الطوب أكثر أمناً من بيوت الخشب أو القش -وبالتالي فإن تكلفة البناء تكون أكبر. إن إعصار هارفي دمر أو يحطم الآلاف من المنازل. ولكنه لن يجتاح أحياء بأكملها، كما فعل إعصار هايان في مدينة تاكلوبان الفلبينية عام 2013. كما أدى هارفي إلى حدوث خسائر اقتصادية قيمتها مليارات من الدولارات، ومعظمها أصابت أصحاب المنازل غير المؤمّن عليها. إن الأرقام مذهلة من حيث القيمة المطلقة، ولكن الملاحظ بصورة أكبر هو مدى السهولة التي يستوعب بها الاقتصاد الأميركي مثل هذه الضربة. وكما ذكر «آدم كامينز»، من شركة «كوديز» للتحليلات، لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن العاصفة «عثرة صغيرة» بالنسبة لاقتصاد هيوستن الذي يبلغ حجمه 503 مليارات دولار. وأضاف أنه يتوقع أن تعطل العاصفة نمو الاقتصاد لمدة شهرين فقط تقريباً. وعلى الصعيد العالمي، أشار «روجر بيليك الابن»، من جامعة كولورادو، إلى أن خسائر الكوارث كنسبة للناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتي تبلغ 0.3%، ظلت ثابتة منذ عام 1990. هذا على رغم أن التكلفة الدولارية للكوارث قد تضاعفت خلال نفس الفترة -تقريباً بنفس معدل نمو الاقتصاد العالمي. وكثيراً ما يدعي النشطاء في مجال المناخ أن النمو الاقتصادي غير المراقب والأمور التي ترافقه هي أسباب رئيسة للتدمير البيئي. وفي الحقيقة، فإن النمو هو التعويض الكبير. إنه جزء كبير من السبب الذي يجعل معدلات الوفيات، على رغم الاحتباس الحراري على كوكبنا، الناجمة عن العواصف، قد تراجعت من 11 لكل مئة ألف في العقد الأول من القرن ال20 إلى 4 لكل مئة ألف في العقد الأول من القرن ال21، وفقا للبيانات التي جمعها «ريكس روزر» و«هانا ريتشي». أما معدلات الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف فقد انخفضت بنسب كبيرة مقارنة بالقرن الماضي. والمفارقة في عصرنا الراهن هي أن الجزء من العالم الذي لم يكن إطلاقاً أكثر أمناً من تقلبات الطبيعة لا يبدو إطلاقاً أنه أكثر رعباً منها. لقد كان هارفي حقاً عاصفة مثيرة للخوف، ولا يتسنى سوى لعدد قليل من الناس أن يتذكر أمثالها. إن هيوستن ستتعافى في نهاية المطاف من هذا الدمار لأن شعبها مبدع وشجاع. فهم سيعيدون البناء، وعندما تأتي العاصفة القادمة، وهذا سيحدث لا محالة، سيكون أكثر استعداداً لها. وأفضل درس يمكن أن يتعلمه العالم من تكساس هو اتباع مسار نموها الاقتصادي غير العادي في الطريق إلى المرونة البيئية. بريت ستيفنز: كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»