إنه تكليف من السماء بحقوق سدنة البيت في الاحتفاظ بأمانتهم، فهمُ القائمون عليها، وفق الآية الكريمة«{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } الآية 58 من سورة«النساء»، كما قال كثير من المفسرين نزلت لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام«الفتح»، وأراد أن يدخل الكعبة، وبابها له سادن وهو عثمان بن طلحه الحجبي، الذي رفض تسليم المفتاح، وقام سيدنا علي رضي الله عنه، ولوى يده، وأخذ منه المفتاح، ففتح الباب، فدخل عليه الصلاة والسلام ثم خرج، فنزلت هذه الآية،لإعادة الأمانة لصاحبها وهو مشرك، فقال عثمان بن طلحة أو حصل ذلك؟ قال نعم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله»، وما زال مفتاح الكعبة تتوارثه أسرته إلى هذه الساعة. تبني قطر أطروحة (تدويل الحرمين الشريفين) أي بمعنى تدويل المسؤولية عن الحرمين لتكون الدول الإسلامية هي من تدير الحرمين الشريفين، ذلك الطرح إيراني، تبنته قطر وزادت عَلَيْه. يبدو مؤكداً أن إيران وصنوها قطر، دولتان مسلمتان، تجهلان فهم هذه الآية واستيعابها، ومن ثم علماً يُستنبط منها». إن المكلفين والمأمورين على هذا البيت وسدنته من حراسة وخدمة وإدارة مسؤولياتها منوطة بأصحابها -حصرياً- لا أعتقد أن يجهل تفسيرها القرضاوي مفتي الديار القطرية، أم أن تخصصه«الإخواني»، يتركز في التحريض على فوضى الشوارع.. فمن جادل لكسر هذه الأمانة إما يجهل أو يتجاهل أوامر السماء، تحت غفلة الجهالة الدينية والقانونية والسياسية، ليضل أصحاب الأهواء المأفونين والمتخلفين. هذه ليست سقطة سياسية، بل دينية أغبش على ولاية الفقيه. وأعتقد أن آية الله السيستاني قد يدركها علماً واستنباطاً من مقاصد الشرع، فأقل منها، لو طرح«تدويل النجف وكربلاء»لتتم إدارتهما بالمشاركة!؟ بالطبع مرفوض، كما لو طلب من الفاتيكان بتدويل الفاتيكان، حتى لمذاهب مسيحية أخرى. هذا الادّعاء الملغوم من قطر ومن قبلها إيران هو ما حذّر مِنْه، وزير الخارجية السعودي، من أن طلب قطر تدويل المشاعر المقدسة «عدواني» وإعلان حرب ضد المملكة، التي نحتفظ بحق الرد على أي طرف يعمل في مجال تدويل المشاعر المقدسة. ما تقوم به المملكة العربية السعودية يمكن أن تجسدها كلمة الملك خالد -رحمه الله– حين وقف مخاطباً الحجيج ذات يوم:«إننا في هذا البلد المقدس، الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً، يعبدونه لا يشركون به شيئاً، نحس بفرحة غامرة، ونحن نفتح قلوبنا لاستقبال ضيوف الرحمن، في الوقت الذي نشعر أنَّ من أولى الواجبات علينا، أن نكرّس الجهد، وأن نوفر الإمكانات، في سبيل أن تتمكنوا من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، في راحة ويسر وسهولة...» واكب ذلك، تطور العمل الخدمي المقدم للحجاج، مع كل عام، تعلن المملكة حالة الطوارئ القصوى استعداداً لهذا المؤتمر العالمي. ولئن شرف الله المملكة العربية السعودية أن تكون خادمة للحرمين الشريفين، فإنها تدرك في الوقت نفسه، أن هذا الشرف العظيم يتطلب منها العمل بكل ما أوتيت من قوة. هذه العبارات التي تجسد مدى الاهتمام، وحجم الرعاية التي ينالها الحجاج من المملكة، وقد تُرجم هذا الاهتمام وتلك الرعاية إلى واقع ملموس، في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله. لا يستطيع المراقب لموسم الحج إلّا أن يُشيد بالخدمات الجليلة التي تقدمها المملكة بجميع قطاعاتها المعنية لخدمة الحجيج، ما يدحض مقولات وادعاءات الملفقين وأصحاب النفوس الضعيفة في محاولاتهم لتسييس الحج، الذين خابت ظنونهم، في الدوحة، بعد أن وصل عدد حجاج أشقائنا القطريين إلى 1564 حاجاً، رغم الأزمة بزيادة 30% عن العام الماضي، وهؤلاء عبّروا عن سعادتهم بما حظوا به من رعاية كريمة. أحمد الحوسني* *سفير سابق