ما زالت نسائم العيد تهب على قلوبنا، شارحة صدورنا بالمحبة والسلام، وما أجملها من عبارة نسمعها من كل شخص نلقاه عيدكم مبارك وأيامكم سعيدة، وكل عام وأنتم بخير، شحنات إيجابية تحمل الخير وأجمل الأمنيات، والمتأمل في أعيادنا الشرعية يجدها تتويجاً لشعائر عظيمة مرتبطة بأركان الإسلام. فعيدنا الأول يأتي في ختام رمضان، ذلك الشهر الذي تزكى فيه الأنفس بالامتناع عن بعض المباحات خلال يوم الصيام والتهجد والقيام في ليله، كي تعرج الأرواح في مدارج السالكين إلى رب العالمين. وهذا العيد نختم به شعيرة الركن الخامس في الإسلام حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ، حيث يتجرد الحاج من كل ما يربطه بهذه الدنيا، نازعاً لباس الشهرة الذي عرف به، مرتدياً خرقة تذكره بالأكفان، عبادة بدنية وروحية ومالية، هدفها تقوى الله تعالى. اقتران الأعياد والعبادات فيه رسالة ألخصها بأن السعادة في العبادة، أجل فحقيقة السعادة لا تتجلى في إشباع رغبات الجسد، وإن كان في ذلك بعض الهناء. لا تكتمل بسعادة العقل والفتوحات الفكرية التي تبزغ في عقول الأذكياء. ومرة أخرى في ذلك شيء من الأنس والطرب والفرح وبالذات عندما تبزغ شمس الأفكار الإبداعية، بيد أن السعادة الحقيقية مرتبطة بعالم الأرواح ذلك السر الذي نحمله بين جوانبنا، لكننا لا ندرك من عالم الأرواح إلا القليل. إنها سعادة الروح عندما تتواصل مع خالقها سبحانه وتعالى، حيث تتجلى السكينة بكل جمالها وتهب نفحات الطمأنينة التي يسكنها الله قلوب من أحبهم وأحبوه، وتقربوا إليه بما شرع من عبادات، وتجنبوا ما نهى عنه من محرمات، فمن شاء منا دوام السعادة يجعل هذه العبارة شعاره في حياته، السعادة في العبادة وللعبادة مفهومان ضيق وواسع، العبادة بمفهومها الضيق تتم بممارسة الشعائر المحددة التي أمرنا بها الله تعالى وبينتها بطريقة عملية سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج، وقبل ذلك بلا شك الاعتقاد بوحدانية الخالق وأن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء، ويخطئ من اعتقد أن العبادات في الإسلام تنحصر في هذه الطقوس فقط، لأن المفهوم الواسع للعبادات يتلخص في كل عمل صالح يقوم به المؤمن مبتغياً بذلك وجه الله تعالى، حتى لو كان ذلك العمل إشباعاً لحاجة نفسية أو جسدية، ففي الحديث عند مسلم: «عن أبي ذر رضي الله عنه أن أناساً من أصحاب رسول الله قالوا للنبي يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر». فالمباحات تنقلب عبادات بحضور النية، فما أجمل هذا الدين، الذي يزاوج بين الدنيا والآخرة، ويجعل المؤمن في عبادة مستمرة طوال حياته، ومن هنا نفهم قوله سبحانه وتعالى:«وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». وفِي درب الطاعة يقع الإنسان في الخطيئة، فكل ابن آدم خطاء كما صح في ذلك الخبر، لكن أبانا آدم عليه السلام بيّن لنا أن الخطيئة التي لا تغتفر ترتبط بالكِبر، الذي يحول بين الإنسان والاعتذار، فقط أخطأ آدم وأناب، فغفر الله له.. وأذنب إبليس وتكبر عن الاعتذار فكان من أهل النار، كل عام وأنتم في سعادة. د. خليفة علي السويدي *أكاديمي إماراتي