ركز الرئيس دونالد ترامب، في كلمته التي وضعت أساس استراتيجيته في أفغانستان في الأيام القليلة الماضية، على النهج السياسي وليس مجريات السياسة، مؤكداً على مصالح أميركا في منع تحول ذلك البلد الآسيوي إلى وكر للإرهابيين من جديد. وعلى رغم ميله إلى خيار سحب كل القوات المتبقية، وهي الخطوة التي كان يفكر فيها أيضاً أوباما، قرر ترامب بقاء القوات. ولكن السياسة الخارجية ليست بعيدة كل البعد عن واقع السياسة الداخلية. فقد خاطب ترامب قاعدته الشعبية، مشيراً إلى أحد تعهدات حملته الانتخابية الرئاسية في مرحلة ما في كلمته حين قال «إننا شريك وصديق ولكننا لن نملي على الشعب الأفغاني الكيفية التي يعيش بها والتي يحكم بها مجتمعه المعقد. إننا لن نبني دولة من جديد. إننا نقتل الإرهابيين». وقضية بناء الدول مثار جدل شديد في السياسة الخارجية لدى كلا الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي. ولطالما أشار أوباما إلى أن «بناء الدول يبدأ من الداخل». وهذا لا يبعد كثيراً في الخطاب عن شعار «جعل أميركا عظيمة من جديد». والواقع أن بناء الدولة هي الاستراتيجية الوحيدة التي يرجح أن تحقق الخروج الملائم من أفغانستان الذي يسعى إليه الزعماء الأميركيون منذ عام 2001. وأوضح طريق لتحقيق النجاح حتى لو استغرق أكثر مما هو متوقع هو مواصلة بناء قدرات الحكومة الأفغانية. صحيح أن ترامب تحدث عن استراتيجية متكاملة في كلمته ولكن هذه الخطة لم تتضمن تعزيزاً للتنمية. والواقع أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون، أعلن أن إدارة ترامب ستقلص إنفاقها في واقع الحال في أفغانستان مع مرور الوقت. والجدير بالذكر أن إدارة ترامب أيدت تقليصاً كبيراً في ميزانية وزارة الخارجية وميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولكن ترامب تحدث عن تحقيق انتصار عسكري، ملمحاً إلى زيادة طفيفة في عدد القوات، وإلى اتباع قواعد أكثر جرأة في العمل. وتجديد الالتزام هذا يبعث بالإشارة الصحيحة وهي أن القوات الأميركية ستظل هناك حين تنتهي رئاسته. ولكن ترامب بالغ في تبسيط المهمة بكونها مجرد قتل المزيد من الإرهابيين. فالولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي «الناتو» يقومون بهذا منذ 16 عاماً، متوقعين نجاحاً في ساحات القتال لتحقيق تسوية سياسية. ولكن بعد كل الجهد المبذول لم يتحقق نصر حاسم، ولا تلوح في الأفق مفاوضات قادرة على الصمود. واستراتيجية الخروج الأميركية الفعلية، تتحقق بتشكيل حكومة أفغانية قادرة على الدفاع عن نفسها أمام الجماعات المتمردة والجيران الذين يتدخلون في شؤون البلاد. وهذا شيء سيتعين على أفغانستان بدعم من الولايات المتحدة أن تحققه من خلال مفاوضات سياسية، إذا تم إطلاقها أصلًا. ولكن لا أحد يعرف ما إذا كانت «طالبان» تريد التفاوض. وفي مثل هذا الحال، فالضغط على «طالبان» كي تتفاوض أمر حيوي. وهناك أسباب وجيهة جعلت البعض يطلق على المسألة الأفغانية اسم «اللعبة الكبيرة». ومنها أن روسيا وإيران لهما مصالح هناك. ولعب البلدان دوراً إيجابياً في أفغانستان في عام 2001. وهما لا يلعبان هذا الدور الآن. والنهج الإقليمي لترامب من غير المرجح أن يحظى بتأييد إذا تم استبعاد جيران رئيسين من العملية. وإذا أراد الرئيس تحقيق انتصار فعلًا، يتعين أن تكون الحكومة الأفغانية قادرة على انتزاع السيطرة على الأراضي التي تهيمن عليها «طالبان»، وأن تديرها الحكومة الأفغانية بشكل رشيد، وتطور ثقافة أكثر حداثة تستفيد أفغانستان من خلالها من طاقات كل شعبها وليس نصفه فقط، وبناء اقتصاد قائم على المجالات الاقتصادية المشروعة وليس المخدرات، ووصل أفغانستان بباقي المنطقة مما يجعل البلاد أقل تعرضا للألاعيب الجيوسياسية في المنطقة. وقد تختلف الألفاظ، ولكن هذا يعني بناء الدولة. وهو لا يتعلق بالعمل الخيري، بل بالاستراتيجية. فإذا كانت أيام بناء الدولة في أفغانستان قد ولت، فإن الرئيس ترامب يفتقر إلى وسيلة لتحقيق النجاح في أفغانستان. ---------------- بي. جيه. كرولي* * مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست بولمبيرج نيوز سيرفس»