هل بات العالم حقاً قاب قوسين من زمن «قبة الكروم»؟ التعبير المتقدم يعني الحروب النووية، تلك التي لاتبقي ولاتذر فمنذ أوائل العام الجاري والمخاوف تجتاح العالم، سيما بعد أن تحركت عقارب ساعة يوم القيامة إلى 2.5 دقيقة قبل منتصف الليل، وهي الساعة التي صنعها العلماء ليقيسوا بها مقدار اقتراب البشرية من حرب عالمية نووية. هل الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو السبب المباشر في احتمال حلول زمن «قبة الكروم»؟ عاشت البشرية فترة صراع طويلة أيام الحرب الباردة، عرفت خلالها مفاهيم مثل توازن الردع النووي، وأدرك الجميع أن الأطراف كلها خاسرة حال حدوث حرب نووية. بحلول عام 1986 وفي قمة «ريكيافيك» بأيسلندا، توصل الطرفان السوفييتي والأميركي عملياً إلى تقليص الرؤوس النووية، وتخفيف صراع برامج الصواريخ البالستية الهجومية، ومنذ ذلك الوقت تم اختزال عدد الرؤوس الحربية الهجومية النووية الاستراتيجية أولاً في عهد جورج دبليو بوش، وفي عهد اوباما بعد ذلك، بالاتفاق مع روسيا على نحو 1500 رأس نووي لكل طرف، وهو عدد كاف، ولاشك لإبادة البشرية من على سطح الكرة الأرضية عدة مرات، والمدهش أنه لا يمثل أكثر من 10% مما كان موجوداً لدى الروس والأميركيين في أوج استراتيجية التدمير المتبادل المؤكد. قبل بضعة أسابيع، وضع العالم الأيادي على القلوب بعد تهديدات ترامب لكوريا الشمالية بنيران وغضب غير مسبوقين ما فسره الجميع شرقاً وغرباً بأن زمن «قبة الكروم»، قد يكون بالفعل أقرب مما يتخيل الناظر، وتصرفات «كيم جونج أون» غير محسوبة العواقب قد تدفع في هذا الاتجاه، وهو الذي هدد ولا يزال قواعد أميركية شديدة الأهمية في جزيرة جوام وآلاف الجنود الأميركيين في كوريا الجنوبية وبقية الأهداف الأميركية في المحيط الهادي. وسط احتدام الأزمة تحدث وزير الدفاع الأميركي الأسبق «ويليام بيري» بالقول إن احتمال وقوع كارثة نووية عالمية هو أكثر من أي وقت مضى، متجاوزاً بذلك فترة الحرب الباردة وأزمة الصواريخ الكوبية. يبدو تحميل «دونالد ترامب» المسؤولية بشكل مطلق على إطلاق الوحش النووي من مخبئه أمر مبالغ فيه، حتى ولو كان يملك بالفعل السلطة لإطلاق آلاف الأسلحة النووية على أعداء أميركا، والتهويل هنا جزء من الصورة الأكبر التي تسعى لتشويه الرجل في عيون الأميركيين تمهيداً لإزاحة سريعة من البيت الأبيض. الأنظار تتركز على واشنطن وترامب، وينسى الجميع ما يجري في موسكو من صحوة ترى أن القوة النووية الاستراتيجية تبقى حجر الزاوية في القوة الدفاعية للبلاد. على صخرة الشكوك تجاه نوايا الأطلسي تكسرت آمال عصر من التوافق الاستراتيجي بين موسكو وواشنطن، ومنذ وصول «فلاديمير بوتين» للكرملين والحقائق تبدد الأوهام، أما الحقائق، فهي كون «الناتو» يريد أن يتوسع حتى حدود روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ويقيم درعاً صاروخياً شديد الوقع بالقرب من مناطق النفوذ التقليدية، ما يجعل مسألة التعايش المشترك في سلام، ضرباً من ضروب الأوهام. يكفي للتدليل على الهول الأكبر الذي يمثله زمن «قبة الكروم» إلقاء نظرة عابرة على منظومة الصاروخ الروسي الباليستي الأحدث في الترسانه الروسية «سارامات» والقادر على حمل رأس نووية قابلة للانشطار وزنها 10 أطنان، والوصول إلى أي نقطة في العالم. أما الحديث عن صواريخ روسيا النووية المحملة على الغواصات الحديثة مثل «الغواصة ديمتري دونسكوي»، فهي كفيلة بإبادة دول أوروبية بأكملها من على اليابس. الأرقام التي يجود بها العلماء علينا حقاً مفزعة، فوفق بعض التقديرات الأخيرة، فإن حرباً صغيرة تستخدم فيها خمس قنابل نووية فقط، قد تؤدي إلى شتاء نووي، ذلك أن سخام الكربون الأسود الناتج عن الانفجارات الضخمة من شأنه أن يمنع أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض ويغرق العالم في الظلام، ما يجعل التمثيل الضوئي مستحيلاً، ويؤدي إلى انهيار النظام البيئي. الانفجار النووي قد يحدث بالفعل من جراء الأزمة مع بيونج يانج، والسبب أنه في حال سمحت واشنطن لها بحيازة سلاح نووي، فإن دولاً أخرى حول العالم في المقدمة منها إيران ستحذو حذوها، والبديل هو المواجهة النووية الكارثية التي يمكن أن تجر الأقطاب الآسيويين الكبار. التحدي الأهم الذي يضعه هنري كيسنجر أمام العالم والقوى النووية الراسخة، هو أن تتوصل إلى قرار حاسم حول رد فعلها إذا أقدمت بلدان مشمولة بالانتشار على استخدام أسلحة نووية بعضها ضد البعض الآخر. أسئلة جوهرية يتوقف عليها مصير البشرية وتحتاج إجابات شافيه وافيه.، ما الذي يجب فعله لمنع استخدام الأسلحة النووية وانتهاك اتفاقات نافذه؟ وإذا تم استخدامها على أي حال، ما الخطوات المباشرة التي يجب اتخاذها من أجل وقف مثل هذه الحرب؟ وكيف يمكن التعامل مع الخراب البشري والاقتصادي الحاصل؟ وما الذي يمكن عمله لمنع التصعيد الانتقامي مع الاستمرار في الدفاع عن صلاحية الردع وفرض عقوبات مناسبة إذا أخفق هذا الردع؟ هل يستفيق العالم قبل الكارثة؟ *كاتب مصري