في العراق يدور اللغط حول إجراء استفتاء لإقامة دولة كردية مستقلة، وهو استفتاء لو أجري ونجح فإنه يعني تفكك الدولة العراقية التي تمخضت عن انهيار الدولة العثمانية واتفاقية سايكس-بيكو التي حددت تقاسم المنطقة بين الدول الاستعمارية الأوروبية، وهو أمر قد تكون له تداعياته السلبية على العديد من دول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي وعدد من دول آسيا الوسطى، فقد تقتطع أجزاء من إيران وسوريا وتركيا وبعض دول وسط آسيا، وقد تنهار دول بكاملها خاصة العراق وسوريا. في الدول الإقليمية التي يقطنها الأكراد تتواجد أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة منذ أمد بعيد، وتلك الأوضاع لازالت تقود إلى مآس تراجيدية محزنة لهذه القومية القديمة المتواجدة في المنطقة، والتي يقدر تعدادها ما بين الأربعين إلى الخمسين مليون نسمة. ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حول التوزيع الديموغرافي للأكراد، إلا أن تقديرات غربية تشير إلى أن 21 بالمائة منهم موجودون في تركيا و20 بالمائة في العراق، و10 بالمائة في سوريا، و10 بالمائة في إيران، ويتوزع الباقون على عدد من دول آسيا الوسطى. الأكراد مجتمعون يشكلون أكبر مجموعة إثنية بعد العرب والفرس في المنطقة العربية وتركيا وإيران الذين لا تتواجد لهم دولة وطنية مستقلة خاصة بهم. الأغلبية العظمى من الأكراد مسلمون سُنة يتحدثون الكردية والإيرانية والعربية والتركية، ونحو نصفهم يعيشون في المدن والمناطق الحضرية. وتقليدياً يرتبط ولاء الأكراد بالقبيلة والعشيرة والأسرة الممتدة التي تدير شؤونهم في مناطقهم وتجمعاتهم. وهذه الولاءات ليست ذات طابع سياسي صرف فقط، بل هي ذات طبيعة قبلية وعشائرية وأسرية قوية. ففي العراق مثلاً، تترأسهم وتقودهم منذ أمد طويل أسرتان، هما أسرة الملا مصطفى البرزاني، الذي يترأس ابنه مسعود حالياً إقليم كردستان العراقي، وأسرة جلال الطالباني، الذي كان رئيساً للجمهورية بعد الغزو الأميركي للعراق. في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، بقي الأكراد أقلية عرقية غير قادرة على إقامة الدولة الوطنية المستقلة الخاصة بها، وبقوا في صراع مستمر مع الحكومات المركزية للدول التي يعيشون فيها للحصول على أكبر قدر من الاستقلالية لإدارة شؤونهم الخاصة. وفي سياق ذلك، تمكن الأكراد الإيرانيون من إقامة دولة وطنية خاصة بهم ما بين العامين 1945-1946 ولفترة قصيرة جداً بدعم من الاتحاد السوفييتي السابق، لكن الحكومة المركزية في طهران قمعتها بقوة شديدة، وقضت عليها في مهدها. الدولة الوحيدة التي تمكن الأكراد فيها من الحصول على شيء من الحكم الذاتي هي العراق التي يشكلون فيها تهديداً حقيقياً لسلطة الحكومة المركزية في بغداد، وهو تهديد مستمر ويتفاقم حتى كتابة هذه السطور، أما تركيا فقد قمعت الأكراد وتضطهدهم بقسوة متناهية الى درجة أن الأتراك لايعترفون بهم كقومية ذات ثقافة ولغة وعادات وتقاليد خاصة بهم وتسميهم بـ«أتراك الجبال»، وهو أمر يولد اتهامات دولية قوية ضد تركيا بانتهاك حقوق الإنسان وممارسة القمع والتنكيل. ومنذ عام 1978 والحكومة التركية تشتبك في صراع مرير مع العديد من المجموعات الكردية المعارضة المطالبة بالاستقلال وإقامة كيان خاص بالأكراد انطلاقاً من ديار بكر في جنوب تركيا، أهمها، حزب العمال الكردستاني الذي يقوده عبدالله أوجلان المعتقل حالياً في السجون التركية. في العراق، يستغل الأكراد انشغال الحكومة المركزية بحروبها الخارجية ومآسيها الداخلية، وتقوم ميليشياتهم المسلحة بالسيطرة على أجزاء واسعة من شمال العراق. وفي عهد حكم حزب «البعث» السابق وفي أغسطس 1988 تحديداً، قام الجيش العراقي السابق بمهاجمة مناطق الأكراد بقوة وبروح انتقامية قاسية، رداً على تمرد الأكراد، ومحاولتهم الانفصال عن الدولة العراقية، فتم تدمير العديد من القرى والبلدات وترحيل قاطنيها إلى مخيمات الاعتقال في أجزاء أخرى من العراق. وكان أشد الأمور مرارة هو استخدام الأسلحة الكيميائية حين قامت القوات العراقية في مارس 1988 بضرب مدينة حلبجة الحدودية، لكن بعد إخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1991، كرر الأكراد القصة نفسها، حين استولت ميليشياتهم على معظم مناطق الشمال العراقي.وللحديث صلة. د.عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي